شرعنة مؤقتة أعادت النار إلى غزة

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قراره بالسماح لحركة حماس بإدارة قطاع غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن بدا وكأنه يفتح نافذة أمل نحو تهدئة طويلة المدى لكن الواقع كشف سريعاً أن القرار كان خطأ استراتيجياً فادحاً أعاد إشعال جذوة الحرب بدل إخمادها لان الخطة التي أُعلن عنها لم تستند إلى أي ضمانات تنفيذية حقيقية ولا إلى إطار سياسي شامل بل جاءت نتيجة حسابات تكتيكية قصيرة المدى هدفها تثبيت هدوء مؤقت يتيح لواشنطن تسجيل إنجاز دبلوماسي سريع لهذا منح ترامب حماس حق إدارة القطاع بشروط أمنية أهمها وقف إطلاق الصواريخ وضمان عدم استخدام غزة في أي عمليات ضد إسرائيل مقابل السماح بإدارة مدنية محدودة تحت رقابة عربية ودولية تمهد لإعادة الإعمار.

لكن القرار سرعان ما كشف هشاشته عندما استأنفت إسرائيل غاراتها بحجة أن الحركة خالفت بعض بنود الاتفاق وهو ما أكد أن الاتفاق لم يكن أكثر من هدنة هشة قابلة للانهيار عند أول اختبار بالنسبة لإسرائيل لهذا لم يكن القرار سوى وسيلة مؤقتة لاحتواء الضغط الدولي وتحصيل مكاسب ميدانية أبرزها تسلم الاسرى وجثث جنودها المحتجزين في غزة بينما ظلت تتعامل مع أي دور لحماس باعتباره تهديداً أمنياً لا يمكن القبول به على المدى الطويل.

أما حماس فاعتبرت القرار اعترافاً ضمنياً بشرعيتها بعد سنوات من الحصار لكنها وجدت نفسها في موقف معقد بين شرعية سياسية محدودة وحصار واقعي مطبق وإدارة مدمرة بلا موارد وتحت تهديد دائم بعودة القصف لإن السماح لحماس بإدارة القطاع دون غطاء وطني شامل أو إشراف دولي فعال جعل من القرار وصفة لتأجيل الحرب لا لإنهائها فالوضع في غزة بقي محكوماً بمعادلة القوة لا بمعايير السياسة والشعب الفلسطيني بقي عالقاً بين إدارة مقيدة وعدو يتحكم في مصيره من الجو والحدود ولهذا ما كان يفترض أن يكون بداية لمرحلة تهدئة واستقرار تحول إلى خطر استراتيجي يعيد إنتاج دورة الدم نفسها فإسرائيل ضربت غزه بعد الاتفاق ولم تتوانى في تبرير هذه الضربات التي حدثت بعد الاتفاق.

ولا نستبعد قيامها بضربات اخرى وستبرر ذلك ايضا ولهذا حماس تراهن على الصمود والمناورة السياسية فيما واشنطن تراقب المشهد بحثاً عن مكسب إعلامي أكثر منه تحول حقيقي.

وأمام هذا الانسداد يبرز الحل الوحيد في تدويل الاتفاق عبر الأمم المتحدة وربطه بمؤتمر حل الدولتين الذي تتزعمه السعودية بدعم فرنسي فالتدويل باذن الله وحده قادر على تحويل اتفاق هش إلى التزام دولي يمنع الانهيار ويعيد الاعتبار للمسار السياسي الشامل القائم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وضمان الأمن المتبادل لإن قرار ترامب الذي وُصف حينها بخطوة جريئة انتهى باعتباره خطأ سياسياً كبيراً إذ منح حماس اعترافاً مؤقتاً دون حماية حقيقية وأعطى إسرائيل الذريعة لاستئناف القصف تاركاً غزة بين شرعية ناقصة وتهديد دائم وبذلك تحولت الهدنة إلى استراحة قصيرة في حرب طويلة لم تنته بعد.

اللواء الدكتور عبداللطيف

بن محمد الحميدان