عندما وجّه الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيڤ لو دريان انتقاداً شديد اللهجة الى الطبقة السياسية في لبنان كان الأمر محصوراً بفشلها في انتخاب رئيس الجمهورية، ولم يكن ذا صلة بما بين لبنان والكيان العبري من قضايا ومشاكل تعود الى العام ١٩٤٨ ولمّا تزل مستمرة حتى اليوم. وأصلاً كان ذلك التوبيخ قبل الحرب الأخيرة بين حزب الله والإسرائيلي.
أما الانتقادات القاسية التي وجهتها الموفدة الأميركية السيدة مورغن أورتاغوس الى المسؤولين اللبنانيين، ومثلها التهويلات الكبرى التي رمانا بها السفير توما البراك، وبعضها خارج على الأعراف الديبلوماسية بكثير من الوقاحة… أما هذه فتوافقت مع الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة. وبالتالي فإن هذا الموقف الأميركي الذي بلغ ذروة الوقاحة يُعتبر على قدر كبير من الوقاحة، ويشدّ إزر العدو، في وقت أكثر ما يكون لبنان في حاجة ماسة الى المؤازرة والتشجيع.
وفي التقدير أن الموقف الأميركي المستمر في تشدده هو لمضاعفة الضغط على لبنان في مسألتين متلازمتين في «الأجندة» الأميركية، وهما الانتهاء من سلاح حزب الله، ودفع لبنان الى اتفاق آخر مع العدو الإسرائيلي يكون أعلى من الهدنة ودون اتفاقية السلام والتطبيع التي تبدو صعبة المنال للغاية في هذه المرحلة.
صحيح أن الموقف الفرنسي ليس بعيداً، في المضمون، عن الموقف الفرنسي، ولكن التمايز بين الموقفين، في أسلوب التخاطب على الأقل، يعود الى كون باريس تعرف طبيعة الكيان اللبناني وتركيبته الديموغرافية أكثر بكثير من واشنطن، لاعتبارات عديدة ترجع الى مئات السنين، ولا سيما الى مرحلة الانتداب في العقد الثاني من القرن العشرين الماضي.
في هذا الإطار يعرف الرئيس الفرنسي مدى الحساسيات داخل المجتمع اللبناني، ويدرك أن القضايا عموماً، والكبرى منها تحديداً، لا يمكن معالجتها على طريقة «كوني، فكانت» كما يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويعرف الفرنسي أن إصدار الأوامر الى الجيش، في لبنان، لتنفيذ مهمة على مستوى سلاح حزب الله، لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها من دون تداعيات خطرة.
وفي معلومات شحيحة، ولكنها رصينة، أن الشقة بدأت تضيق بين ما يسعى إليه البيت الأبيض وكيفية معالجته وبين المفهوم الذي يراه قصر الإليزيه الأكثر واقعية. وتزعم هذه المعلومات، المتوافرة بندرة، أن أحد الرجال الثقاة لدى ترامب همس في أذنه ببعض التفاصيل في هذا الشأن، شارحاً له بعض خصوصيات الواقع اللبناني، وأنه استمع باهتمام وتفهم، وبالتالي بدأ يراعي الحال اللبنانية. وهذا لا يعني في أي حال من الأحوال التراجع عن أن يكون السلاح حكراً على الدولة اللبنانية من خلال الجيش والمؤسسات الأمنية وحدها، وأن عدم التخفيف من الضغط الهائل على لبنان قد يكون أكثر فاعلية.