البعد الخارجي لفوز زهران ممداني في عمدة مدينة نيويورك لا يقل أهمية عن بعده الأميركي الداخلي، بل لعله يوازيه، وربما يتفوق عليه. ولإدراك هذا الحجم ينبغي متابعة الإعلام الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، والإعلام الصهيوني عموماً ولا سيما في الغرب.
هذا الشاب الآتي من غرب آسيا يتجه لأن «يغير وجه أميركا» على ما يرى الكثيرون من المفكرين والمراقبين والباحثين، في طليعتهم الذين يدينون باليهودية، ولقد قال أحد هؤلاء: «بينما تتجه الرياح الى سلام تاريخي بين اليهود والمسلمين في الشرق الأوسط، يأتي نجاح ممداني ليشعلها بين الجانبين في الولايات المتحدة الأميركية».
واقعاً، من حق هذا الشاب اللامع أن يعتز بانتصاره الكبير على الرئيس دونالد ترامب أولاً الذي لا شك في أنه أدرك مدى انعكاس انحيازه ودعمه الكبيرَين لإسرائيل (عبر نتنياهو) غير المسبوقَين على شعبيته لدى الأميركيين العرب والمسلمين الذين كان لأصواتهم دور ملحوظ في انتصاره في السباق الرئاسي، وكذلك على قلب المعادلة في نيويورك التي يقيم فيها أكبر تجمع يهودي في العالم بعد فلسطين المحتلة، ناهيك بالنفوذ المالي والسياسي والإعلامي الخرافي… ومع ذلك جاءهم زهران ممداني بمواقف استثنائية: فهو يرفض أن يطلق على عملية السابع من تشرين الأول صفة الإرهاب. كما يعارض تصفية حماس وتسليم سلاحها. والأكثر: فهو يقول إنه يجب على حماس عدم التخلي عن السلطة في قطاع غزة!
وعندما اتهم الرئيس دونالد ترامب منظمة «الأونروا» الأممية بأنها منحازة الى الجانب الفلسطيني في الحرب على غزة وأوقف المساعدات الأميركية الممنوحة لها، كان رد زهران في أنه شارك في «ماراتون» جمع التبرعات لمصلحة «الأونروا».
ممداني الذي يُعرف عنه أنه من الجناح التقدمي في الحزب الديموقراطي، وهو يعترف بذلك بل ويتباهى به، يتهمه الرئيس ترامب بأنه «شيوعي». والواقع أن هذه التهمة التي كانت سائرة ومؤذية جداً في خمسينات وستينات وسبعينات القرن العشرين الماضي (وشبيهة بـ «صيد الساحرات» في فرنسا في القرون الوسطى) لم تعد تجدي نفعاً في هذا الزمن منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، لا سيما أن البيئة الأميركية منيعة ضد الشيوعية.
في أي حال نتيجة انتخاب عمدة نيويورك تكشف الى أي مدى تلفح رياح التغيير العالم الغربي.