بقلم وليد شقير
«أساس ميديا»
اختزل مؤتمر نيويورك لأجل فلسطين عقوداً حفلت بمزيج من الصراع والتحالف بين الدول العربية والإسلامية من جهة وبين الولايات المتّحدة الأميركية من جهة ثانية، عقوداً احتضنت خليطاً من الحروب واتّفاقات السلام بين هذه الدول وبين الحليف الاستراتيجيّ لأميركا إسرائيل. انعقد مؤتمر دعم قيام دولة فلسطين في لحظة تحوُّلات جيوسياسيّة دراماتيكيّة.
هل ينجح دونالد ترامب في استيعاب التصدّي العربي الإسلامي للتطابق الأميركي مع الجموح الإسرائيلي، عبر اجتماعه المنتظر في الساعات المقبلة مع زعماء 5 دول عربية هي السعوديّة، مصر، الأردن، قطر والإمارات العربيّة المتّحدة، ودولة إسلاميّة محوريّة هي تركيا؟
كان الرئيس الأميركيّ اقترح فكرة اجتماعه بالزعماء الستّة على رئيس الوزراء القطريّ وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني حين التقاه في 12 أيلول لاحتواء ردود الفعل العربيّة الإسلاميّة المتشدّدة حيال ضربة إسرائيل للدوحة بحجّة اغتيال قادة “حماس” في العاصمة القطريّة.
مثلما فشل الاغتيال لم ينجح الاقتراح، قبل 11 يوماً، في التخفيف من حدّة قرارات قمّة الدوحة. وتغلب الشكوك على إمكان نجاحه في ذلك، لا سيما أنّ القناعة العامّة كانت ولا تزال بأنّ استهداف عاصمة قطر كان موجّهاً إلى السعوديّة ولترويع مؤتمر نيويورك. ويستبعد دبلوماسي عربي منخرط بمداولات نيويورك لـ”أساس” أن تنفع مع الزعماء الستّة لغة الإملاءات والفرض المعتاد عليها الرئيس الأميركي المتقلّب.
ضمّ الضّفّة يعني إلغاء اتّفاقات أبراهام؟
منذ عقود لم تشهد المنطقة سقفاً عالياً كالذي تتصدّره المملكة العربية السعودية ومصر وسائر الدول العربية ومعها دولتان إسلاميّتان كبريان، تركيا وباكستان، من دون أن نغفل إيران، حيال إسرائيل ودعم أميركا لها. إنّها لحظة قد تطيح باتّفاقات التطبيع بين بعض هذه الدول وبين الدولة العبريّة، وتجهض أيّ اتّفاقات محتملة في القريب المنظور، وتشير إلى تموضع عربيّ جديد، بعد قمّة الدوحة العربيّة الإسلاميّة واتّفاق الدفاع المشترك بين الرياض وإسلام آباد. يوجب ذلك رصد ردّ فعل واشنطن المقبل. فهل تتراجع عن الإجازة التي منحها وزير خارجيّتها ماركو روبيو لنتنياهو لضمّ “جزء” من الضفّة في هذه المرحلة بحجّة تفادي ردّ الفعل على ضمّها بالكامل، كما ينوي، ردّاً على مؤتمر نيويورك؟
باتت واشنطن تعلم، حسبما يؤكّد المصدر العربي الرفيع لـ”أساس”، أنّ تحضير نتنياهو لضمّ الضفّة ردّاً على الاعترافات الدوليّة بدولة فلسطين سيقود إلى مبادرة دولة الإمارات العربية المتّحدة إلى إلغاء اتّفاق أبراهام مع الدولة العبريّة، وستلحق بها دولة البحرين.
وقاحة واشنطن منذ طرح تهجير الغزّيّين
لم تكن قراءة دول الخليج والسعوديّة لضربة الدوحة على أنّها تهديد استراتيجيّ لأمنها، سوى ذروة جديدة لوقائع سنوات خلت. ولم يأتِ السقف العالي لقمّة الدوحة وما تلاها إلّا نتيجة تراكمات سياسة تجاهل واشنطن واستخفاف تل أبيب المتماديَين بدول المنطقة، لا سيما منذ حرب محو غزّة إثر ارتكاب “حماس” “طوفان الأقصى” في أكتوبر/تشرين الأوّل 2023. واحد من أوقح تجلّيات التجاهل الأميركي ظهر حين استخفّ الرئيس السابق جو بايدن بالرفض المصريّ الأردنيّ لتهجير الغزّيّين إليهما. بلغ الأمر حدّ طلب وزير خارجيّته، الرجل الباهت والمفتخر بدعمه إسرائيل “لأنّني يهوديّ”، أنتوني بلينكن، من وزيرَي الخارجيّة المصري والأردني، ووزير الخارجيّة السعوديّ الأمير فيصل بن فرحان خلال استقباله اللجنة الوزاريّة المنبثقة عن القمّة العربيّة الإسلامية في 9 كانون الأوّل 2023، أن تستقبل كلّ من الدول الثلاث 300 ألف نازح غزّيّ. استخفّت واشنطن بالرفض العربي لتهجير الفلسطينيّين إلى الدول العربية، ولم تأبه لترداد الرئيس عبدالفتّاح السيسي والملك عبدالله الثاني ووليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان ووزراء خارجيّتهم، أنّ هذا التدبير “خطّ أحمر وخطير على الأمن القومي العربيّ”. كرّت سبحة التجاهل منذئذٍ للفصول المأساويّة لحرب الوجود و”الانتصار المطلق” التي شنّتها إسرائيل على مدى سنتين.
لا حاجة هنا، إلى تعداد الوقائع الكارثيّة الصارخة لسنتين من تباهي نتنياهو بخوضه الحروب على سبع جبهات وتحقيقه الانتصارات، ولاقتراحات ترامب الخياليّة حول تحويل القطاع إلى “ريفييرا” الشرق. نجمت هذه الوقائع عمّا سمّاه الموفد الرئاسيّ الفرنسي إلى لبنان، والمسؤول عن ملفّ الشراكة الفرنسية السعودية في تنمية منطقة العلا في المملكة، جان إيف لودريان، “الشعور بفائض القوّة جرّاء الدعم الأميركي، الذي تسبّب بارتكاب إسرائيل غلطة قصف الدوحة وتجاوزها الخطوط الحمر”. قال هذا الكلام خلال مداولاته، لا سيما مع رئيس البرلمان نبيه برّي، إبّان زيارته بيروت في 11 أيلول.
إعداد اتّفاق السّعوديّة وباكستان سبق ضربة الدّوحة
الاعتقاد الأرجح أنّ الرياض، بموازاة تفاوضها مع واشنطن على اتّفاق التعاون الاستراتيجيّ مقابل التطبيع مع الدولة العبريّة، المشروط بداية بخطوات عمليّة لقيام دولة فلسطينيّة، أخذت تفكّر في بدائل لأسباب عدّة منها:
- تراكم خيبات المنطقة من الوعود الأميركيّة بوقف حرب غزّة.
- الأوهام الإسرائيلية الأميركية المشحونة بفائض القوّة لفرض التطبيع على المملكة، بالإضافة إلى توقّع تنازلات عبر اتّفاقات سلام مع لبنان وسوريا ترفضها قيادتا البلدين. حفرت أحلام نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط لتكريس هيمنته عليه عميقاً في عقل الحكّام العرب.
- أعاد غضب القاهرة من الصلف الإسرائيلي إلى اللغة السياسيّة المصريّة مصطلحات غابت زهاء 50 سنة، فاستخدم الرئيس السيسي تعبير “العدوّ الإسرائيليّ” في قمّة الدوحة.
كان اتّفاق الدفاع المشترك السعوديّ الباكستانيّ ضربة معلّم بتوقيته. لكنّ الدبلوماسي العربي المعنيّ بصياغة التوافقات العربية يقول لـ”أساس” إنّه “لا يمكن أن يكون وليد ضربة الدوحة وحدها في 9 أيلول، أي بعد 8 أيّام فقط من حصولها. فاتّفاقات من هذا النوع لا تتمّ بين ليلة وضحاها، بل هي نتاج أشهر، إن لم يكن أكثر، من الإعداد والنقاش”.
وظيفتا النّوويّ والحرب التّقليديّة
يضيف: “السلاح النوويّ الباكستانيّ معلن منذ أكثر من 25 سنة، ولم يحصل خلال عقدين أن احتاجت دول حليفة مثل السعوديّة إلى اتّفاق مع إسلام آباد للاحتماء بمظلّته. ثمّة أسباب فرضت حاجتها إليه الآن”. ويسأل: “حين يشكّل الاتّفاق مظلّة نوويّة للسعوديّة ودول الخليج، فهل السبب استشعار خطر نوويّ ضدّ المملكة؟ يشمل الدفاع المشترك استخدام الأسلحة التقليديّة ((CONVENTIONAL. وقد يكون للاتّفاق وظيفة مزدوجة، لا سيما أنّ لباكستان حضوراً أمنيّاً وعسكريّاً سابقاً، بطلب من بعض دول الخليج”.
وليد شقير