فريدمان يقترح “الدبلوماسية القسرية” على إيران وإسرائيل

بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
وراء الحرب الإسرائيلية الإيرانية الحالية صدامٌ بين عقيدتين استراتيجيّتين مجنونتين: عقيدة السعي إلى التفوّق على العدوّ من خلال إجراءات جنونيّة، التي تتبعها إيران ووكلاؤها، وعقيدة المضيّ حتّى النهاية واعتماد مبدأ “مرّة واحدة وإلى الابد”، التي تُحرّك بنيامين نتنياهو وعصابته المتطرّفة. لكنّ لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرصةً لتصحيح كلتيهما، وخلق أفضل فرصةٍ لاستقرار الشرق الأوسط منذ عقود.
يعتبر المحلّل والكاتب السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ عقيدة “التفوّق على العدوّ بالجنون” التي تمارسها إيران، ومارسها أيضاً وكيلها “الحزب”، عبر اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وتفجير السفارة الأميركية في بيروت، ومساعدة بشّار الأسد، جاءت بنتائج سيّئة. وربّما ساعدت إيران و”الحزب” على طرد إسرائيل من جنوب لبنان. لكنّها عجزت عن طرد الإسرائيليين من وطنهم التوراتيّ، ولن تتمكّن أبداً من التفوّق على اليهود الإسرائيليين في الجنون.
في رأيه، تلعب إيران وفقاً لقواعد الشرق الأوسط، التي يسمّيها قواعد حماه، نسبةً إلى هجمات محافظة حماه السوريّة التي نفّذتها حكومة حافظ الأسد عام 1982، والتي غطّيتُ عواقبها. قضى الأسد على جماعة الإخوان المسلمين في حماه بتسوية مساحات شاسعة من المدينة بالأرض بلا رحمة، وبنايات سكنيّة كاملة، وتحويلها إلى موقف سيّارات.
مغالطات استراتيجيّة
يوضح: لقد اعتقد كلٌّ من زعيم “الحزب” السابق السيّد حسن نصرالله والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أنّهما يستطيعان التفوّق على جنون اليهود الإسرائيليين، وأنّ إسرائيل لن تحاول أبداً قتلهم شخصيّاً، وأنّ إسرائيل، كما كان يحبّ نصرالله أن يصفها، “خيوط عنكبوتيّة” ستتفكّك تحت الضغط. فدفع حياته ثمناً لهذا الخطأ في التقدير، وربّما كان المرشد الأعلى سيدفع الثمن أيضاً لو لم يتدخّل ترامب، كما ورد، لمنع إسرائيل من قتله.
أمّا على الجانب الإسرائيلي فيعتبر فريدمان أنّ بنيامين نتنياهو وعصابته المتطرّفة التي تدير الحكومة الإسرائيلية اليوم واقعون في فخّ مغالطتهم الاستراتيجيّة، والتي يسمّيها عقيدة “الحلّ النهائي”، أو مبدأ “مرّة واحدة وإلى الأبد”. ويوضح: لقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنّها ستحلّ المشكلة “نهائيّاً”. وهناك طريقتان فقط للقضاء على هذه المشكلة نهائيّاً:
– أن تحتلّ إسرائيل الضفّة الغربية وغزّة وجميع أراضي إيران بشكل دائم، كما فعلت أميركا بألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
– وأن تحاول تغيير الثقافة السياسيّة.
لكنّ إسرائيل، في رأيه، لا تملك أيّ فرصة لاحتلال إيران بأكملها، وقد احتلّت الضفّة الغربية لمدّة 58 عاماً ولم تقضِ على نفوذ “حماس” هناك، علاوة على القوميّة الفلسطينية العلمانية. ذلك لأنّ الفلسطينيّين هم من السكّان الأصليين. ولذا لن تتمكّن إسرائيل أبداً من “إخضاعهم مرّة واحدة وإلى الأبد”، ما لم تقتل كلّ واحد منهم. ويجدّد تأكيده: “السبيل الوحيد للاقتراب من إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كلّيّاً هو العمل على حلّ الدولتين”.
ترامب وإيران
وفقاً لفريدمان يجب على ترامب إذا كان يريد اتّفاقاً جيّداً مع إيران أن يعلن في آن واحد:
– أنّه سيزوّد سلاح الجوّ الإسرائيلي بقاذفات بي-2 وقنابل خارقة للتحصينات وزنها 13,500 كيلوغرام، ومدرّبين أميركيّين، فيمنح إسرائيل القدرة على تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض، ما لم توافق إيران فوراً على السماح لفرق من الوكالة الدولية للطاقة الذرّية بتفكيك هذه المنشآت والوصول إلى جميع المواقع النووية في إيران لاستعادة جميع الموادّ الانشطارية التي أنتجتها طهران. فقط إذا امتثلت إيران تماماً لهذه الشروط، يُسمح لها بامتلاك برنامج نووي مدني تحت رقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرّية. لكنّ إيران لن تمتثل إلّا في ظلّ تهديد جدّي باستخدام القوّة.
– أنّ إدارته تعترف بالفلسطينيين شعباً له الحقّ في تقرير مصيره الوطني. ولكن لتحقيق ذلك يجب عليهم إثبات قدرتهم على الوفاء بمسؤوليّات الدولة من خلال تشكيل قيادة جديدة للسلطة الفلسطينية تعتبرها الولايات المتّحدة ذات صدقيّة، وخالية من الفساد، وملتزمة خدمة المواطنين الفلسطينيّين في الضفّة الغربية وغزّة بفعّاليّة، والتعايش مع إسرائيل.
– أنّه لن يتسامح مع التوسّع الاستيطاني السريع وواقع الدولة الواحدة الذي تُنشئه إسرائيل الآن، والذي يُمثّل وصفة لحرب أبديّة، لأنّ الفلسطينيّين في الضفّة الغربية وغزّة لن يختفوا أو يتخلّوا “مرّة واحدة وإلى الأبد” عن هويّتهم الوطنية وتطلّعاتهم.
– أن يؤكّد التزام إدارته رعاية محادثات السلام من أجل حلّ الدولتين، مع اعتبار خطّة ترامب للسلام، التي تُمهّد الطريق نحو حلّ الدولتين منذ رئاسته السابقة، نقطة البداية الدنيا وليست نقطة النهاية، أي أنّ على الطرفين التفاوض مباشرةً.
طريقة ذكيّة لإنهاء الحرب
في رأي فريدمان سيكون على ترامب إذا كان يريد حقّاً إحلال السلام في الشرق الأوسط أن يعمل كيلا تصبح أميركا أسيرة نتنياهو أو ضحيّة إيران. إذ ليست للولايات المتّحدة مصلحة في جعل إسرائيل آمنة للتوسّع المتطرّف، أو إيران آمنة للتطرّف النوويّ. وعليه أن يتجاهل الانعزالية الخطيرة والانفعاليّة التي يتبنّاها نائبه جي دي فانس، وأن يتجنّب نصائح نتنياهو الحمقاء التي يقدّمها جنرالات الحزب الجمهوري والإنجيليون، والتي لا تخدم مصالح الولايات المتّحدة ولا صدقيّتها في المنطقة.
يعتبر أنّ الشروط الضرورية، وإن لم تكن كافية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، التي ستسمح لأميركا بتقليص وجودها العسكري هناك لا إنهائه، هي:
– إجبار إيران على رسم حدود غربيّة واضحة، والتوقّف عن محاولة استعمار جيرانها العرب وتدمير إسرائيل بقنبلة نوويّة.
– إجبار إسرائيل على رسم حدود شرقيّة واضحة، والتوقّف عن محاولة استعمار الضفّة الغربيّة بأكملها.
– إجبار الفلسطينيين على رسم حدود شرقية وغربية واضحة بين إسرائيل والأردن، والتوقّف عن مقولة “من النهر إلى البحر”.
يعتقد أخيراً أنّ هذه الحرب تتيح أفضل فرصة منذ عقود لاستخدام ما سمّاه المفاوض المخضرم دينيس روس “الدبلوماسية القسرية”. فهل ترامب قادر على ذلك؟ سنعرف قريباً.
إيمان شمص