لبنان يتجه للتفاوض مع إسرائيل وسط مخاوف من تجاوز قطار المنطقة

مصباح العلي
تزامنت زيارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى الرياض مع حراك دبلوماسي مكثف نحو لبنان، في مشهد يعكس تحركات إقليمية متشابكة.
هدف الشرع الأساسي من الرياض كان جذب الدعم الخليجي وتأمين حاضنة استثمارية تمهد الطريق لما يُسمى بـ”سوريا الجديدة” من زاوية الاقتصاد، مع اعتبار السعودية بوابة الخليج. ما يحمله الشرع ليس مجرد خارطة سياسية، بل هو رؤية استراتيجية تمثل قطار الحجاز، المشروع التاريخي الذي يربط بلاد الشام بالعمق الخليجي، ويرمز إلى الربط الاقتصادي والثقافي والسياسي بين المشرق العربي والمملكة العربية السعودية. هذا القطار ليس مجرد وسيلة نقل، بل هو رمز للانفتاح على العالم، وتسهيل التبادل التجاري، وبناء تحالفات اقتصادية طويلة المدى، قادرة على إعادة رسم خرائط القوة والنفوذ في المنطقة.
في الوقت نفسه، يسود انطباع متزايد بأن “قطار التطبيع” مع إسرائيل قد بدأ مساره بالفعل، وأن اتفاق غزة كان مجرد مقدمة له. مع ذلك، يشهد الجنوب السوري تجوال الجنود الإسرائيليين بحرية، بينما يصر الشرع منذ دخوله دمشق على أنه غير معني بمحاربة إسرائيل، ويسعى لتثبيت حكمه عبر التطبيع معها.
أما لبنان، فقد شهد وصول موفدين من الولايات المتحدة ومصر وجامعة الدول العربية والسعودية، يجمعهم هدف مركزي هو التفاوض مع إسرائيل ونزع سلاح حزب الله. هذه التطورات تؤكد ضعف الموقف اللبناني في مواجهة الطموحات الإسرائيلية، التي تتعلق بالتنقيب عن النفط وبناء مستوطنات مستقبلية عند مرتفعات جبل الشيخ.
النموذج اللبناني المتنوع دينياً وثقافياً يشكل إزعاجاً لإسرائيل، التي تسعى لتحطيم صورته، وهو أمر لا يحتاج إلى دليل.
الأسئلة الحقيقية هنا تتعلق بالمستقبل: ماذا لو انطلق قطار السلام والتنمية في المنطقة وترك لبنان على الهامش؟ ماذا لو تم تهميش دوره السياسي والثقافي والاقتصادي، وتركه عالقاً في نزاعات صغيرة وسخيفة؟
ولعل الأمل الأخير للبنان يكمن في روح شعبه؛ في قدرته على النهضة من بين الركام، والانطلاق كالطائر الفنيق من جديد، يحلق فوق آلامه وأزماته، ويزرع الحياة حيث بدا كل شيء ميتاً. لبنان وطن لا ينتهي، فهو من عمر الأرز، من قلب التاريخ والمجد، لكن لبنان الدولة الحديثة الرائدة في المنطقة قد تهمله الرياح، وقد يفوته قطار الزمن الذي يحمل معه الفرص، الحلم، والحياة الجديدة.
مصباح العلي