كتب عوني الكعكي:
ليس سرّاً، أنّ العلاقات بين العدو الاسرائيلي والإمبراطورية الفارسية تعود الى زمن بعيد.. خصوصاً أن الطرفين يعتبران انهما حليفان لأميركا.
إذ إن إسرائيل ولولا الدعم والتأييد بالسلاح والمال وفي أكثر الأحيان يكون الدعم سياسياً أيضاً في جميع المحافل الدولية، بدءاً بالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يحمي إسرائيل من تمرير أي قرار ضدّها خلال التصويت باستعمال «الڤيتو» الأميركي (حق النقض).
من ناحية ثانية، كانت الإمبراطورية الإيرانية الحليف رقم واحد لأميركا، كما كانت تعتبر خط الدفاع الأول ضد الاتحاد السوڤياتي.
الحقيقة أن الذي تخلّى عن الشاه هم الأميركيون، وتحديداً وزير الخارجية الأميركية اليهودي هنري كيسنجر الذي رأى أنه يجب شن حرب على العراق وتدمير الجيش العراقي حماية لمستقبل إسرائيل وبقائها، فرفض الشاه الطلب الأميركي بشن هذه الحرب، فعوقب بـ «الخلع». وهنا لا بد أن نذكّر بما حدث في عهد آخر سفير أميركي أيام الشاه، حيث طلبت الإدارة الأميركية أن توقف تمدّد الثورة ويجب قمعها، لأنّ مستقبل العلاقات بين أميركا ونظام الملالي لم يُرح الأميركيين، وكانوا يشككون في ولاء هذا النظام، فجاء جواب السفير الاميركي: “It’s too late” أصبحنا متأخرين.
على كل حال، كان نظام الملالي في أحسن أحواله عندما بدأ الحرب مع العراق وذلك لمدّة 8 سنوات، والعالم كلّه يعرف قيمة المساعدات الإسرائيلية العسكرية وصفقات السلاح المشهورة «إيران غيت»، ومدى تأثر الدعم الإسرائيلي لإيران، والذي استطاعت إيران من خلاله استرجاع منطقة «الفاو»، بعد أن كان العراق قد احتل قسماً كبيراً من الأراضي الإيرانية، واسترجع منطقة الفاو الغنية بالنفط والمعادن والزراعة، ولكن السلاح الإسرائيلي دعم إيران عسكرياً، وحافظ على التوازن العسكري بينها وبين العراق.
لا أقول هذا الكلام لأننا لا نؤيّد نظام ولاية الفقيه، ولكن الحقيقة أن هذا النظام هو من صناعة وزير الخارجية الأميركي اليهودي هنري كيسنجر كما ذكرنا، من أجل القضاء على الجيش العراقي لمصلحة إسرائيل.
وهذا عائد الى أن كيسنجر عندما قدم عام 1973 الى المنطقة، جلس في جلسة خاصة مع رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير، وبكى الاثنان وهما يتساءلان: كيف يمكن أن تعيش إسرائيل بوجود 3 جيوش عربية حولها: الجيش المصري حيث هُدّد بالقنبلة الذرية، والجيش العراقي الذي منع إسرائيل من احتلال دمشق، والجيش السوري. لذلك لا بدّ من القضاء على الجيش العراقي. وهكذا نفّذ نظام الملالي ما خططه له اليهودي هنري كيسنجر.
في عام 2007، صدر كتاب بالغ الأهمية للباحث الأميركي من أصل إيراني تريتا بارسي بعنوان:
treacherous Alliance, The secret Dealings of Israel, Iran and the united states.
وترجمته حرفياً: التحالف الغادر والصفقات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة.
وبارسي ليس مجرّد باحث أكاديمي، بل كان مستشاراً في السياسة الخارجية للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، كما أنه مؤسّس ومدير المجلس الوطني الإيراني – الأميركي (NIAC).
وقد استند في كتابه الى أكثر من 130 مقابلة شخصية مع مسؤولين سياسيين وأمنيين من الأطراف الثلاثة إضافة الى وثائق ديبلوماسية وسجلات رسمية لم تُنشر سابقاً.
ويرى بارسي أن العلاقة بين إيران وإسرائيل لم تكن يوماً علاقة عداء مطلق، كما يُروّج لها في الإعلام. بل علاقة قائمة على «الندّية الحذرة والمصالح المشتركة».
كما أن الكتاب أشار الى أن 80 % من الأسلحة التي استخدمتها إيران في الحرب، تمّ الحصول عليها عبر إسرائيل، بتنسيق أميركي مباشر، فيما عُرف لاحقاً بفضيحة «إيران كونترا».
ليس ذلك فحسب، بل يشير الكتاب الى أن إيران في بداية الثمانينات عرضت على إسرائيل استخدام مطاراتها، وتحديداً في «تبريز»، في حال قرّرت شن غارات على المفاعل النووي العراقي، وهو ما يعكس طبيعة العلاقة العملية، وإن كنت تغلّف بالعداء الظاهري.
ويشير بارسي بوضوح الى أن إيران وإسرائيل، كيانان طائفيان وأقليّان في البنية الثقافية والسياسية للمنطقة، ويشتركان في هاجس واحد: تفكيك البنية السنّية العربية التي كانت دوماً مركز ثقل الإسلام السياسي والحضاري.
فالصهيونية والصفوية كلاهما يعاديا الإرث العربي الإسلامي، وكلاهما يعيد قراءة الفتح الإسلامي بوصفه «خطأ استراتيجياً» ينبغي تصحيحه ولو بعد قرون، بوسائل جديدة هي: الدولار، الميليشيات، العقوبات والصفقات الخلفية.
ولهذا، فإنّ العدو الحقيقي بالنسبة لهذين الكيانين ليس بعضهما، بل المشرق العربي في هويته السنّية. وهو ما يفسّر الحروب التي أشعلتها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بدعم من إسرائيل.
وحين تطلق إيران صواريخ على إسرائيل، لا يُنظر الى ذلك داخل دوائر القرار باعتباره إعلان حرب وجودية، بل «يُقرأ على أنه رسالة تفاوضية خشنة». وهذا ما يفسّر أن المواجهات بين حزب الله وإسرائيل مثلاً، لم تتجاوز حدود الضربات الظرفية، وأنّ التفاهمات بين الطرفين كانت دوماً أسرع من نار القذائف. فكلما انسدّت قنوات التفاوض اشتعلت الجبهات، وحين يُعاد فتح القنوات يعود الهدوء الى الساحات. فالغاية المشتركة هي تصحيح التاريخ وإعادة تشكيل المنطقة.
وخلاصة القول: إنّ العداء بين إيران وإسرائيل ليس حقيقياً، بل غطاء لحلف مصلحي غادر، والخلاف بينهما ليس على المبادئ بل على الحصص.
فلا تصدّقوا المسرح، فالمشهد أعمق من الدخان، والعدو لا يرسل السلاح لحليفه وقت الحرب ثم يعاديه في نشرات الأخبار.