بقلم دافيد عيسى
يقول أبو العتاهية: “خير الكلام قليل الحروف، كثير القطوف، بليغ الأثر.”
في زمن تتسارع فيه الأخبار وتغمرنا منصّات التواصل بالضجيج الرقمي، تصبح هذه المقولة أكثر صدقًا من أي وقت مضى.
لم تعد هذه المواقع مجرّد وسائل للتعارف أو الترفيه، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ومنبرًا لصناعة الرأي العام والتأثير فيه.
لكن المشكلة أن هذه المنصّات لم تعد دائمًا مساحة للنقاش الحر، بل تحوّلت إلى ما يشبه “محاكم التفتيش”، حيث توزَّع صكّ الوطنية على من يوافق رأي الكاتب على الموقع، وتُطلَق تهم الخيانة على من يخالف رأي الكاتب نفسه، من دون حوار أو منطق أو موضوعية.
هناك وجهان لمواقع التواصل الاجتماعي.
الوجه الإيجابي:
– تختصر المسافات وتقرّب البعيد، حتى بات العالم كأنّه قرية صغيرة.
– تمنح الجميع فرصة لإيصال صوتهم بعيدًا عن القيود التقليدية.
– يمكن استثمارها في نشر الثقافة والمعرفة وكشف الحقيقة.
– حين تُدار بشفافية، تساعد في جمع التبرعات ومساندة المرضى والفقراء.
الوجه السلبي:
– غياب الضوابط سهّل انتشار الشائعات والمعلومات الكاذبة.
– كثرة الاستخدام أضعفت العلاقات المباشرة وخلقت ظواهر إدمان خطيرة.
– تحوّلت إلى ساحة للتجريح والتخوين بدل أن تكون مساحة حوار.
– صار بوسع أي شخص أن يقدّم نفسه كناشط أو “بلوغَر” بمجرد تصويره لفيديو قصير أو تعليق تافه، بهدف لفت الأنظار وجمع المتابعين، ولو على حساب القيم والمعرفة.
وليس المقصود هنا أولئك الذين يستخدمون هذه الوسائل بمسؤولية ووعي، هؤلاء يستحقّون كل الاحترام، بل أولئك الذين يلهثون وراء الشهرة الفارغة بمحتوى سطحي لا يحمل أي فائدة.
وفي هذا السياق، برزت أيضًا فئة من الأشخاص لا يفعلون سوى الضجيج والشتائم وتوزيع شهادات بالوطنية، وتخوين آخرين بلا رادع، كما يفرغون النقاش العام من معناه. فمن يصفّق لهم يصبح “وطنيًا”، ومن يعارضهم يُرمى بتهمة “الخيانة”.
أما في ما يخصّ حملات التبرعات العشوائية عبر هذه المنصّات، فكثير منها يشوبه الاحتيال والنصب، حيث تُستغل عواطف الناس لتحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة.
الخلاصة: وسائل التواصل الاجتماعي باقية، وهي جزء من حاضرنا ومستقبل أولادنا، لكن مسؤولية استخدامها تقع على عاتقنا جميعًا. المطلوب أن نحولها إلى مساحة حوار وتلاقي وبناء، لا إلى ساحة معارك افتراضية وشتائم شخصية.
دافيد عيسى