بقلم وليد شقير
«أساس ميديا»
ليس جديداً أن يهدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس لبنان، أو أن ينبّه المبعوث الأميركيّ توم بارّاك إلى أنّ إسرائيل ستواصل الضربات. المهمّ في تهديد كاتس قوله إنّ “إسرائيل قرّرت الآن منح فرصة للضغوط الأميركيّة على الحكومة اللبنانيّة لنزع سلاح الحزب”، أي أنّ ثمّة اختباراً أمام لبنان للإفادة من ضغوط أميركيّة لتجنّب حربٍ جديدة ضدّه… والكرة في ملعب “الحزب”.
حصيلة التنسيق الأميركيّ الإسرائيليّ هي انتظار مدى فعّاليّة الضغوط الأميركيّة والأوروبيّة على السلطات اللبنانيّة في شأن سحب سلاح “الحزب”. هذا من جهة، لكن من جهة أخرى يختبر الجانب الأميركيّ استعداد لبنان لتقديم تنازلات عبر دعوته إيّاه إلى التفاوض مع إسرائيل، كما كرّر بارّاك. لبنان ومصر، اللتان تتولّيان بلورة مبادرة اقترحتها القاهرة للتفاوض، تأملان حصول تنازلات إسرائيليّة في شأن الانسحاب.
تصعيد نتنياهو وكاتس والتّفاوض تحت النّار
التصعيد الكلاميّ لكاتس وبنيامين نتنياهو، في اليومين الماضيَين، الذي يرافق تواصل الضربات ضدّ كوادر ومراكز “الحزب” وبيئته الشعبيّة، يثير الغبار الذي يغطّي عادة المفاوضات المنتظَرة. ولا تغيير في هذا السياق لقاعدة التفاوض تحت النار. ما يزال مجهولاً حتّى اللحظة المدى الزمنيّ الذي تعطيه الدبلوماسيّة الأميركيّة لفرصة التفاوض في شأن الترتيبات الأمنيّة التي تريدها إسرائيل من الجانب اللبناني. وتراوح التكهّنات في هذا الصدد بين آخر تشرين الثاني الحاليّ ونهاية كانون الأوّل المقبل، أي نهاية العام. لكنّ توم بارّاك ترك الأمر غامضاً حين قال إنّ إسرائيل ستستأنف الضربات “وفق التطوّرات”، أي أنّ الأمر يتوقّف على التقدّم في المفاوضات التي تسعى مورغان أورتاغوس إليها في إطار لجنة “الميكانيزم”.
تحضير إسرائيليّ لاحتمال فشل التّفاوض؟
لا يمنع حديث المفاوضات نتنياهو وكاتس من أن يهيّئا لتمنّياتهما أن تخفق الوساطة الأميركيّة والمبادرة المصريّة.
استبق كاتس التفاوض المفترض بالقول: “لن نوقف الهجمات، ولن نخرج من الحزام الأمنيّ”، وهو بذلك يضع على الطاولة نوع الترتيبات التي تريدها تل أبيب. والمعطيات في هذا الصدد لم تعد سرّاً، لأنّ خريطة التوغّل الإسرائيليّ والمدى الجغرافيّ للقصف في المناطق الحدوديّة، واستهداف الجرّافات التي تعمل على إزالة الركام وتدمير الحاويات التي تُستخدم كغرف مؤقّتة لمنع الجنوبيّين من العودة إلى القرى الحدوديّة، تهيّئ للمنطقة العازلة التي تخطّط تل أبيب لفرضها.
تعود الدوائر الدبلوماسيّة والسياسيّة المواكبة لمنع تفجير عسكريّ إسرائيليّ في لبنان إلى ما تسرّب العام الماضي عن أنّ الحزام الأمنيّ لحماية حدود إسرائيل يمتدّ من سوريا عبر جبل الشيخ إلى لبنان. في بلاد الشام تريده تل أبيب بعمق 35 كيلومتراً، وفي لبنان يراوح عمقه بين 7 و10 كيلومترات.
بعض من واكبوا مفاوضات آموس هوكستين من أجل اتّفاق وقف النار عام 2024 يذكرون واقعة امتناعه عن تلبية طلب إسرائيل تضمين نصّه إشارة إلى قيام منطقة عازلة في لبنان، لأنّه أدرك أنّ لبنان سيرفضه لِمَسّه بالسيادة، وأنّه سيفشل الاتّفاق. وواقع الأمر أن لا القيادة السوريّة الجديدة مستعدّة للتسليم بالحزام الذي تطمح إليه تل أبيب، ولا لبنان قادر على ذلك.
تعظيم قدرات “الحزب”… وتسليفات عون له
يشمل التحضير الإسرائيليّ لفشل التفاوض تلك الحملة الواسعة في التصريحات والتسريبات للصحف الأميركيّة عن أنّ “الحزب استطاع إعادة تسليح نفسه” وحصل على مئات الصواريخ عبر التهريب من سوريا وغيرها من المنافذ. وتشبه تلك الحملة التعظيم الذي مارسه نتنياهو لقدرات “الحزب” قبل شنّه الحرب على لبنان واغتياله نصرالله وسائر القادة.
تبقى العقدة التي تؤهّل لبنان لرفض الحزام تجاوب “الحزب” مع الدولة اللبنانية في مواصلة خطوات سحب سلاحه. إنّه السبيل المتاح لتعطيل أيّ اندفاعة عسكريّة إسرائيليّة من جهة، ولتسليح الدولة اللبنانية بموقف يُعطّل المطالب الإسرائيليّة الفائضة عن قدرة لبنان من جهة ثانية.
سلّف رئيس الجمهوريّة العماد جوزف عون “الحزب” ورئيس البرلمان نبيه برّي موقفاً متقدّماً بإعطائه تعليمات لقيادة الجيش بالتصدّي للاعتداءات الإسرائيليّة على الأرض اللبنانيّة. يأتي ذلك في سياق خطاب “الحزب” الداعي إلى أن تتحمّل الدولة مسؤوليّة التصدّي لانتهاكات إسرائيل. والجميع يدرك أنّ لهذا الموقف بُعداً سياسيّاً لا عسكريّاً. وبات على “الحزب” أن يبادل “الدولة الفاشلة” (بنظر بارّاك) بتليين موقفه من سحب السلاح.
“الحزب” يتجاهل تنازلاته في اتّفاق وقف النّار
يكابر “الحزب” في التسليم باختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، على الرغم من اعتراف الشيخ نعيم قاسم بتفوّقها. ويتعامى عن تسليمه بحصريّة السلاح بيد الدولة وفق اتّفاق 27 تشرين الثاني الماضي. ويتجاهل أيضاً أنّه سلّم لإسرائيل بحقّ القيام بالعمليّات العسكريّة في البند الرابع منه.
نصّ هذا البند، في الاتّفاق الهجين، على الآتي: “ولا تمنع هذه الالتزامات إسرائيل ولبنان من ممارسة حقّهما الأصيل في الدفاع عن النفس، بما يتّفق مع القانون الدوليّ”.
المقصود بـ”الالتزامات” ما ورد في البنود الأخرى: وقف النار، انسحاب إسرائيل خلال 60 يوماً، انتشار الجيش اللبناني حتّى الحدود الدوليّة، حصر السلاح بالقوى الأمنيّة اللبنانيّة الشرعيّة، و”التسهيل الأميركي لمفاوضات غير مباشرة” حول النقاط الحدوديّة المتنازَع عليها.
الالتباس المقصود لمصلحة إسرائيل
أعطى البند الرابع الملتبس والخبيث عمداً الدولة العبريّة حرّيّة توقيت القيام بعمل عسكريّ ضدّ لبنان. وإعطاء لبنان هذا الحقّ في النصّ رياء برياء، لأنّه محاولة لإضفاء نوع من التوازن الكلاميّ من قبل الموفد الأميركيّ آنذاك آموس هوكستين، خلافاً لاختلال توازن القوى.
ألحق نتنياهو تصريحات كاتس التهديديّة بقوله: “لن نسمح للبنان بأن يتحوّل مجدّداً إلى جبهة ضدّنا، وسنمارس حقّنا بالدفاع عن أنفسنا كما نصّ اتّفاق وقف النار”. وهو يستند بذلك إلى البند الرابع المذكور.
أكثر من ذلك، ومع أنّ لبنان لم يتبلّغ رسميّاً نصّ رسالة الضمانات الأميركيّة لإسرائيل على هامش اتّفاق وقف النار في تشرين الثاني 2024، أعطت الرسالة إسرائيل “حقّ الردّ على أيّ تهديدات قد تكون وشيكة من لبنان”، سواء جنوب الليطاني أو خارجه. تُضاف إلى ذلك “مشاركة واشنطن إسرائيل في تبادل المعلومات الاستخباريّة الحسّاسة”.
بات السؤال: هل يُحبط “الحزب” الفِخاخ المنصوبة له وللبلد فينقل الطابة إلى ملعب إسرائيل؟
وليد شقير