يؤكد استطلاع واسع لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، قبل أيام، ما كشفت عنه استطلاعات أخرى بأن أكثر من ثلثي الإسرائيليين ينظرون اليوم نظرة سلبية للسلطة الفلسطينية ويعارضون تسوية الدولتين معها أو مع غيرها، على مبدأ أن دولة فلسطينية اليوم هي عبارة عن هدية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد هجوم “طوفان الأقصى”. بيد أن الدراسات والاستطلاعات المتتالية تؤكد أن موقف الإسرائيليين هذا موجود منذ سنوات، وقبل حرب الإبادة على غزة بكثير، خاصة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية التي سعت إسرائيل إلى إخمادها بعنف مفرط، وشهدت، من جملة ما شهدته، عمليات تفجير داخل المدن الإسرائيلية.
وهناك من يرى أن هذه النظرة الإسرائيلية العامة للسلطة الفلسطينية موجودة قبل الانتفاضة الثانية، بل هي قائمة منذ أن قامت هذه الكيانية الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو، الذي قطعته ثلاث رصاصات لإرهابي يهودي، يغئال عامير، قتلت رئيس حكومة الاحتلال إسحق رابين لمجرد توقيعه اتفاق تسوية معها. واليوم تكفي نظرة واحدة للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) المنتخب من قبل الإسرائيليين، للدلالة على فقدان الاختلاف بين الأحزاب الصهيونية في الموقف من السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، بل إن رؤساء المعارضة الإسرائيلية يتحاشون مجرد الحديث مع رئيس السلطة الفلسطينية بالهاتف أو اللقاء معه. منذ سنوات طويلة، تفتقد الحلبة السياسية الإسرائيلية اختلافات وخلافات ونقاشات مبدئية حول الاحتلال واستمرار سلب حقوق الشعب الفلسطيني وحول تسوية الصراع، بل هناك إجماع بين أحزاب الائتلاف والمعارضة على رفض فكرة تسوية الدولتين، عدا حزب “الديمقراطيين” الذي يتحدث أحيانًا عنها، وكافتهم يتهمون السلطة الفلسطينية بتشجيع الإرهاب من خلال “رواتب الأسرى” ومناهج التعليم.
من يحتاج للإصلاح والاستشفاء
هذا رغم أن من يحتاج للإصلاح والاستشفاء من أمراض العنصرية ودعم الإرهاب هي المؤسسة الإسرائيلية، فمناهج التعليم الإسرائيلية ملوّثة بالعنصرية وبشيطنة العرب والفلسطينيين وبنزع صفتهم الإنسانية بشكل فظ، كما كشف تحقيق “القدس العربي” أيضًا في الشهر الماضي. كما أن أغلبية الإسرائيليين أيدوا بأشكال مختلفة حرب الإبادة على غزة، وقال 80% منهم إنهم يؤيدون تهجير الغزيين، بل قال 56% منهم إنهم يؤيدون تهجير الفلسطينيين في إسرائيل أيضًا. ويتجلى دعم الإرهاب في الجانب الإسرائيلي بدعم حرب المستوطنين على الضفة الغربية المتصاعدة منذ اندلاع الحرب على غزة، فقد تمت مضاعفة عدد البؤر الاستيطانية داخل الضفة الغربية من خلال تهجير عشرات المجمعات السكنية الفلسطينية الريفية وسلب ونهب مقدراتها بدعم الجيش، وفق ما أكده أيضًا تحقيق صحيفة “هآرتس” العبرية يوم الجمعة الأخير. وآخر ضحايا هذه الحرب التي تتواصل بدعم أغلبية الإسرائيليين بالتجاهل والصمت، قرية مخماس قضاء القدس، حيث تعرّضت لقطع أشجار زيتون وإقامة بؤرة استيطانية على أراضيها من قبل مستوطنين اعتدوا على السيارات والبيوت وعلى المشاركين في قطف الزيتون. وتكشف صحيفة “هآرتس”، اليوم الإثنين، أن عدد شكاوى الفلسطينيين المقدّمة لشرطة وجيش الاحتلال في ازدياد، أما ملفات التحقيق فينخفض تعدادها. في هذا المضمار يوضح الصحافي والناقد التلفزيوني الإسرائيلي عيناف شيف أن اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين يوميًا تتم بدعم من الجيش الذي يغمض عيونه ويتجاهل العنف اليهودي. بل يؤكد عيناف، في مقال بعنوان “حملة الضمّ العنيف” المنشور في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، أن جرائم المستوطنين داخل الضفة الغربية تتم بدعم جهاز كامل متكامل، وبدعم المؤسسة السياسية الإسرائيلية، ائتلافًا ومعارضة.
قبل السابع من أكتوبر
مثل هذا الدعم لجرائم المستوطنين يعكس الموقف من السلطة الفلسطينية، وهو عمليًا الموقف من الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعارضها أغلبية الإسرائيليين من قبل الحرب المتوحشة على غزة. يتجلى ذلك بوضوح في غياب القضية الفلسطينية من برامج الأحزاب الإسرائيلية بكل اختلافاتها ومن الحملات الانتخابية في العقدين الأخيرين لصالح قضايا داخلية وإقليمية.