إسرائيل تكسر الهدنة والسعودية تبني الأمل

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

في الوقت الذي تنشغل فيه غزة بترميم ما تبقى من حياة وبعد أسابيع من توقيع الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة أمريكية ومصرية وقطرية عاد المشهد إلى التوتر مجددًا بعدما شنت القوات الإسرائيلية سلسلة غارات وعمليات برية اعتبرتها حماس والمجتمع الدولي خرقًا صريحًا لبنود الاتفاق.

وهذا الخرق يأتي في لحظة كانت الأنظار فيها تتجه إلى نيويورك حيث قادت المملكة العربية السعودية بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وبدعم فرنسي من الرئيس ماكرون واسع مؤتمرًا دوليًا في الأمم المتحدة أعاد إحياء مشروع حل الدولتين كخيار سياسي شامل ينهي دوامة الصراع ويضع الأساس لسلام دائم في الشرق الأوسط.

وبحسب تقارير أممية ودولية فإن إسرائيل ارتكبت خلال الأسابيع الماضية أكثر من أربعين خرقًا للهدنة شملت غارات جوية وإطلاق نار على أطراف القطاع ومنع مرور شحنات المساعدات الإنسانية وبينما بررت إسرائيل تلك الأفعال بأنها ردود وقائية على خروقات من جانب حماس إلا أن المراقبين رأوا فيها تصعيدًا متعمدًا هدفه اختبار حدود الهدنة وقياس رد فعل الأطراف الدولية.

وفي السياق ذاته توسعت دائرة التوتر لتشمل الحدود اللبنانية حيث نفذت إسرائيل سلسلة من الخروقات الجوية والعمليات داخل الأراضي اللبنانية في خطوة اعتبرها مراقبون انتهاكًا صريحًا لسيادة لبنان وللقرارات الدولية ذات الصلة ما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الأممية من احتمال امتداد الصراع إلى جبهة جديدة في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي إلى تثبيت الهدوء الهش في المنطقة.

وفي خضم هذه التطورات برز مؤتمر نيويورك الذي رعته المملكة العربية السعودية بالتعاون مع فرنسا كأحد أهم التحركات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة إذ نجح في جمع أكثر من مئة واثنان وأربعون دولة حول إعلان دولي يؤكد ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان أمن إسرائيل وفق اتفاق شامل ومتوازن إضافة إلى إطلاق خطة عاجلة لإعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي وهذا الإعلان لم يكن مجرد موقف سياسي بل خريطة طريق لإحياء فكرة السلام التي ظلت مجمدة لعقود.

وهكذا بدا المشهد السياسي منقسمًا بين جبهات القتال التي تفتحها إسرائيل ومؤتمرات السلام التي يحاول العالم من خلالها إعادة الأمل إلى الشرق الأوسط ولهذا فان خرق إسرائيل للاتفاق لا يمكن قراءته كحادثة منفصلة بل كجزء من معادلة سياسية أوسع تهدف إلى فرض واقع ميداني جديد قبل أي تسوية سياسية نهائية.

لكن هذه المقاربة تصطدم بمتغير جديد وهو ان الإرادة الدولية التي قادتها السعودية وفرنسا لإحياء خيار الدولتين يعتبر الحل الوحيد القادر على كسر حلقة العنف لان الجهود الدبلوماسية الجديدة لا تتحدث فقط عن وقف القتال بل عن إنهاء السبب أي غياب الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير ولهذا فإن التقاء الأحداث خرق الهدنة من جهة ومؤتمر نيويورك من جهة أخرى يكشف بوضوح أن أي تسوية لا تنبع من الاعتراف المتبادل والعدالة السياسية ستظل هشة وعرضة للانفجار من جديد.

ولذلك فإن المبادرة السعودية الفرنسية ليست مجرد مبادرة دبلوماسية بل مشروع خلاص سياسي يجب أن يحظى بالدعم الكامل من العالم العربي والمجتمع الدولي لأن خرق إسرائيل للاتفاق مع حماس يؤكد أن إدارة الصراع لا تنهيه وأن القوة لا تصنع سلامًا لكن مؤتمر نيويورك برعاية السعودية وفرنسا أعاد التذكير بأن العالم لا يزال قادرًا على أن يمد يده نحو حل عادل ومتوازن لإن حل الدولتين ليس خيارًا سياسيًا فقط بل ضرورة إنسانية وتاريخية تحفظ كرامة الفلسطينيين وأمن الإسرائيليين وتمنح الشرق الأوسط فرصة نادرة للسلام بعد عقود من الدم.

وبين صخب المدافع وصوت الدبلوماسية يبقى الأمل قائمًا في أن تنتصر الكلمة على الرصاصة وأن تكون نتائج مؤتمر نيويورك هي بداية الطريق نحو إنهاء هذا الصراع المستمر منذ أكثر من سبعين عامًا.

اللواء الدكتور عبداللطيف

بن محمد الحميدان