كتب عوني الكعكي:
يوماً بعد يوم تبرهن الدولة العبرية أنها دولة مجرمة، لا تتورّع أن تفعل أي مجزرة بدم بارد.. والأنكى أنها تعتبر ذلك من عالم البطولات.
من مجازر دير ياسين، الى مجازر صبرا وشاتيلا، الى مجازر غزة. واليوم هناك مجازر ترتكبها إسرائيل على مدار الساعة…
ما فعلته إسرائيل في غزة من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني يفوق التصوّر والضمير الإنساني.
وبالرغم من مرور سنتين تقريباً على مجازر إسرائيل في غزة، نكتشف يومياً أنّ هناك مجازر بعد لم يُعلن عنها… فهذا هو تاريخ الدولة العبرية الإسرائيلية، وهذا هو تاريخ شعب يدّعي أنه تعرّض للتعذيب في الماضي، جاء لينتقم من أهل غزة والفلسطينيين في المستقبل.
أما اليوم، فلا يمرّ يوم واحد إلاّ ونسمع أو نقرأ من بطولات أعظم وأنبل شعب في العالم، أعني به الشعب الفلسطيني المؤمن الصامد والصابر.
فمن عملية «طوفان الأقصى» التي شنّتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس في قطاع غزة على إسرائيل فجر يوم السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وشملت هجوماً برياً وبحرياً وجوّياً، وتسلّلاً للمقاومين الى عدة مستوطنات في «غلاف غزة».
تلك العملية البطولية أعادت الحياة للقضية الفلسطينية بعد أن كانت القضية متروكة ومنسيّة، وهناك الكثير من التآمر الدولي لمحوها نهائياً.
على كل حال، فإني أريد اليوم أن أتحدّث عن بطلة فلسطينية هي هند رجب عمرها 6 سنوات، أعدمها الإسرائيليون بدم بارد ووحشية لا توصف.
تقول الحكاية:
في مهرجان البندقية السينمائي، وقف بكل نجومه احتراماً وتقديراً وخشوعاً أمام الطفولة الفلسطينية. بل إنّ البعض منهم لم يتمالك نفسه فأخذ يذرف الدموع وهو يسمع صرخات الطفلة الفلسطينية وهي تستنجد لتُسمع صوتها الى مَن ينقذها من جنود مدجّجين بأسلحة فتاكة موجهة الى جسمها الغضّ، لتفرغ رصاصات الحقد والكراهية في أحب الكائنات الى الله -الأطفال..
وكان المتوقع من السينما العربية أن تكون هي الأكثر إنتاجاً لتصوير ما يجري في فلسطين…
فأكبر نجوم الشاشة العالمية وقفوا 24 دقيقة يصفقون لفيلم بطلته هند رجب. فهذا خواكين فينيكس الذي أدهش العالم وصفّق له الملايين في Joker الفيلم الذي نال به جائزة الأوسكار، يقف اليوم ليصفّق بدوره لفيلم عن طفلة فلسطينية اسمها هند رجب.
24 دقيقة وقف الحاضرون يصفقون بحرارة بعد عرض الفيلم الذي جسّد حكاية الطفلة هند رجب، حكاية الطفلة التي أفرغ الاحتلال في جسدها 335 رصاصة بعد قتل عائلتها أمام ناظريها، وتركها ساعات بين جثث أهلها تستغيث. ثم أجهز حتى على المسعفين الذين هبّوا لنجدتها في مجزرة مروّعة صُعِق العالم لشدّة بشاعتها.
الطفلة تستغيث: «خذيني تعالي… أمانة تعالي خايفة تعالوا».
تقول الفنانة الأردنية سجى الكيلاني:
قصة هند حول طفلة تصرخ: «أنقذوني». والسؤال الحقيقي هو: كيف سمحنا لطفل أن يتوسّل من أجل الحياة؟
لقد قوبل الفيلم بالدموع والتصفيق المتواصل الذي يعكس همجية وبربرية “إسرائيل”.
هذا الفيلم حمل توقيع المخرجة التونسية كوثر بن هنيّة، وقف خلف إنتاجه كبار نجوم هوليوود: براد بيت، وخواكين فينيكس وروني مارا. لقد حظي هذا الفيلم بأطول مدّة تصفيق في تاريخ مهرجان البندقية، مما جعله مرشحاً لنيل جائزة «الأسد الذهبي».
إنّ هند تحمل ثقل شعب بأكمله. إنه صوت كل ابنة لها الحق في الحياة مع أطفال فلسطين الآخرين. لقد سرق العدو الإسرائيلي حياتهم وأحلامهم، ولم يرحم طفولتهم فقتلهم بدم بارد. إنه قمة الإجرام بالفعل.
ولا بدّ لي في النهاية من سرد قصة أخرى رواها رشيد درباس بعد تلقيه دعوة لحضور وإلقاء كلمة في حفل تخريج جامعة فينيسيا في الصرفند. يقول:
خلال كتابة الخطاب الذي سألقيه في الحفل، تلقيت من الصديق النقيب شكيب قرطباوي مقالاً لكلود الخال يقول إنّ كاردينال بولونيا، ورئيس مؤتمر الأساقفة الإيطاليين ماتيو زوبي، ألقى يوم الخميس في 14 آب (أغسطس)، عشية ذكرى انتقال السيدة العذراء كلمة أصرّ أن يقرأ فيها الأسماء الثلاثية لجميع الأطفال الذين سقطوا في الصراع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية في غزة، منذ بدء الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» قبل عامين. تلا زوبي الأسماء الثلاثية للأطفال جميعهم، كما أشرت، خلال سبع ساعات وبصوت عالٍ رغم بلوغه السبعين من العمر.
لقد أبى الكاردينال زوبي، إلاّ أن يتلو أسماء 12211 طفلاً فلسطينياً قضوا على أيدي القوات الصهيونية، وهم كل الأطفال الذين استشهدوا حتى 25 تموز (يوليو) 2025. إشارة الى أنّ الوثيقة التي تتضمن الأسماء بلغت 469 صفحة. إذ ذاك يقول
«درباس»: عزمت على تضمين خطابي هذه الإشارة المهمة، متذكراً إذ ذاك ما ذكره قداسة البابا فرنسيس الأول في أيامه الأخيرة، وبصوت متهدّج: «أوقفوا قتل الأطفال في غزة».
نحن نعيش اليوم في ظرف معقّد… اختلط فيه الخير بالشر.
لقد تداعت الى مخيّلتي صفحات التاريخ الغابرة، حيث كان الجبابرة يلقون الطعام للخنازير ويمنعونه عن البشر. وهذا ما دعا أصحاب الضمائر الحيّة الى الانقسام بين الصمت والتحسّر أمام سوق الأطفال الذين يجابهون الحيوانات المفترسة.
فالضمير الكوني صار في “غيبوبة”.
فمنذ قابيل… والأرض تدور على محور المذبحة بين صلصال ومختلط خُلِق الإنسان من غلط..
منذ قصة «تفاحة آدم» وحتى يومنا الحاضر، فهل من متعظ؟
وها أنذا أختم لأقول: بعد كل مجازر «إسرائيل»، هل ينتشر الوعي وينتعش الضمير العالمي أمام ما ترتكبه هذه «الدولة» من مجازر؟