اشتراكيّ مسلم حاكم لنيويورك: أميركا على حافة الإنقسام..

بقلم موفق حرب

«أساس ميديا»

مع اقتراب انتخابات بلديّة نيويورك، يدخل السباق على منصب العمدة مرحلة بالغة الحساسيّة، ليس فقط بسبب الانقسام السياسي الحادّ، بل أيضاً بسبب البعد الديني الذي يهدّد بإشعال موجة جديدة من “الإسلاموفوبيا” في قلب المدينة.

صعود زهران ممداني، الشابّ المسلم والاشتراكيّ الديمقراطيّ، من الهامش إلى واجهة المشهد، يثير آمال أنصاره بوصول صوت تقدّمي جديد إلى السلطة، لكنّه في الوقت نفسه يمنح خصومه ذريعة لتغذية مشاعر الخوف والتحريض الدينيّ.

إنّه حدثٌ قد يعمّق الفجوة الأيديولوجيّة بين شطرَيْ أميركا، ويشعل معركة شرسة داخل الحزب الديمقراطي نفسه، بينما يطلق جرس إنذار في أوساط الجمهوريين والمحافظين. ممداني، الذي فاز بالترشيح الديمقراطي بعد تغلّبه على الحاكم السابق أندرو كومو، أصبح الآن قاب قوسين أو أدنى من تولّي قيادة مدينة تُعتبر رمز الرأسمالية الأميركية، حيث تقيم أكبر جالية يهوديّة في الولايات المتّحدة. ويتقدّم ممداني عبر برنامج سياسي مثير للانقسام، ولغة تصادميّة، وحركة شعبية تدفع باتّجاه كسر ما بقي من “الوسط” الأميركي.

مَن هو زهران ممداني؟

بالنسبة لأنصاره، هو صوت المظلومين في مدينة ابتلعتها الإيجارات المرتفعة، والفقر، والانفصال الطبقيّ. ناشط من أصل هندي – أوغندي، نشأ في كوينز، وناضل من أجل حقوق المستأجرين، ويقدّم اليوم وعوداً غير تقليدية: النقل المجّاني، تجميد الإيجارات، حضانات مجّانية لكلّ طفل، حدّ أدنى للأجور يصل إلى 30 دولاراً يومياً، ومراكز بقالة تديرها الحكومة.

لكن بالنسبة لمعارضيه، هو الوجه السياسي الجديد لتيّار متطرّف يهدّد البنية الاقتصادية والاجتماعية للمدينة. وقد وصفه فيفيك راماسوامي (المرشّح الجمهوري الرئاسي السابق) بأنّه “إشارة إلى انهيار أميركا”، بينما بدأت مقاطعات أخرى  بتقديم حوافز للشركات لمغادرة نيويورك في حال فوزه. وبين هذين الخطّين، يتّسع الانقسام الأميركيّ أيديولوجيّاً، عِرقيّاً وطبقيّاً.

بالنسبة لأنصاره، هو صوت المظلومين في مدينة ابتلعتها الإيجارات المرتفعة، والفقر، والانفصال الطبقيّ

صمت قادة الدّيمقراطيّين

انتصار ممداني في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية (43.5% مقابل 36.4% لكومو) لم يُترجم إلى إجماع داخل الحزب. فزعماء كثر في الحزب الديمقراطي، مثل تشاك شومر، كاثي هوكول وحكيم جيفريز، فضّلوا التزام الصمت، رافضين دعم مرشّح لا يُخفي انتقاده لإسرائيل، ومواقفه السابقة من الشرطة، واقتراحه توقيف بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك.

يكشف هذا الصمت عمق الانقسام داخل الحزب بين الجناح التقدّمي الصاعد، والقادة التقليديّين الذين يرون في ممداني تهديداً للبنية المؤسّسية التي حافظت على وحدة الحزب لعقود.

إلى جانب الجدل السياسي والاقتصادي، يواجه ممداني تحدّياً آخر أكثر حساسيّة: خلفيّته الدينية كمسلم في بلد لا تزال فيه موجات “الإسلاموفوبيا” تطفو على السطح مع كلّ حدث سياسي مثير للجدل.

بحسب بيانات مركز دراسة الكراهية المنظّمة، شهدت الأسابيع التي تلت فوزه بالترشيح أكثر من 6,700 منشور معادٍ للإسلام على منصّات التواصل، تجاوزت تفاعلاتها 419 مليون مشاهدة، كثير منها يربط بين إيمانه واتّهامات باطلة بالإرهاب أو الولاء لجهات أجنبية.

مع تصاعد التوتّرات الإقليمية في الشرق الأوسط، قد يستغلّ خصومه هذه الخلفيّة لإثارة مخاوف أو تغذية سرديّات معادية للمسلمين، خصوصاً في أوساط الناخبين المحافظين أو المتأرجحين. وإذا فاز بالمنصب، فإنّ ذلك قد يفتح جبهة جديدة من الاستقطاب، حيث سيُنظر إليه من قبل البعض كرمز لهويّة سياسية ودينية مرفوضة، وهو ما قد يضعه في مواجهة دائمة مع تيّارات اليمين والإعلام المعادي.

ترامب يعارض فوزه

لم يلتزم الرئيس دونالد ترامب الحياد بل أبدى بوضوح رغبته في منع فوز زهران ممداني. فبحسب تقارير صحافية، بحث ترامب مع مستشارين سياسيّين سبل دعم مرشّح قادر على إلحاق الهزيمة بممداني. وشنّ هجوماً إعلاميّاً حادّاً عليه، واصفاً إيّاه بـ”الاشتراكي الشيوعي” و”المجنون 100%”، بل ذهب إلى حدّ القول إنّ الحكومة الفدرالية قد تضطرّ إلى التدخّل والسيطرة على المدينة إذا فاز.

زهران ممداني ليس مرشّحاً شابّاً وحسب. إنّه ظاهرة سياسية، مرآة لجيل جديد، وصاعق محتمل لانفجار الانقسام الأميركي

من جهة، يمثّل ممداني أملاً حقيقيّاً لجيل غاضب من ارتفاع التكاليف، وسياسات الأمن المشدّدة واستغلال الشركات الكبرى. ومن جهة أخرى، يخشى خصومه أن تتحوّل نيويورك في عهده إلى تجربة اشتراكية قد تعمّق الانقسام المجتمعيّ وتُبعد الاستثمارات.

سواء فاز أم خسر، أطلق ممداني تحوّلاً واضحاً في لغة السياسة الأميركية. لقد انتقل الخطاب التقدّمي من شبكات التواصل الاجتماعي إلى أبواب البلديّات. والآن، أصبح التحدّي الحقيقي: هل يمكن لهذه الحركة أن تحكم؟ أن تدير؟ أن تحافظ على وحدة مدينة؟ أم تُغرقها في مزيد من الاستقطاب؟

المحافظون يخشونه. التقدّميون يحتفون به. والوسط، بكلّ بساطة، يتقلّص أمام نيران هذه المعركة الجديدة.

زهران ممداني ليس مرشّحاً شابّاً وحسب. إنّه ظاهرة سياسية، مرآة لجيل جديد، وصاعق محتمل لانفجار الانقسام الأميركي. فوزُه في تشرين الثاني قد يُطلق موجة تقدّمية جديدة تتحدّى المؤسّسة من الداخل، لكنّه في الوقت نفسه قد يُرسّخ انقساماً وطنيّاً لم يعد من الممكن تجاهله.

موفق حرب