الإيـمان الأعمى أفيون الشعوب!

بقلم فوزي عساكر
رئيس تحرير مجلة «العالمية»
يحكى أنّ ملكا اختار أحد مستشاريه وأشدّهم ذكاء، وسأله: أيهما أفضل، الحظ أم القداسة؟
أجابه بدون أي مقدمات: القداسة طبعا يا مولاي.
ضحك الـملك وقال له: سترى أنك مخطئ، وسأبرهن لك ذلك! فوافق الـمستشار.
وخرجا في صباح اليوم التالي إلى أحد الأسواق، ووقف الملك يتأمل في وجوه رعيته حتى رأى عتّالا بائسا جدا. فأمر الحرس بجلبه إلى القصر، ثم أمر بأن يطعموه ويلبسوه الحرير، وجعله وزيرا، وأمر بإدخاله الى مجلسه. فاندهش الـمستشار عندما رأى أن العتال أصبح وزيرا! فقال الـملك للمستشار: أيهما أفضل الآن، الحظ أم القداسة؟ فأجاب الـمستشار: أعطني فرصتي يا مولاي لأثبت لك بأن القداسة أفضل من الحظّ.
خرج الـمستشار إلى السوق ووقف يتأمل، وإذا به يرى حمارا هزيلا وسخا ومنهكا من التعب. فاقترب منه وبدأ يتحسّسه ويتلمّسه، والناس ينظرون إليه باستغراب، حتى تجمهروا من حوله، ثم قال بصوت عال: أيها الناس… أتعلمون أن هذا الحمار طالـما حمل على ظهره أحد أنبياء الله، وذكر في الكتب السماوية؟ هذا الحمار من أهل الجنة!
وماهي الا لحظات حتى أصبح ظهر الحمار الأجرب مزارا، وامتلأت أذناه نذورا، وبدأ الناس يتبرّكون به، فهذا يطعمه، وذاك يغسل قدميه، وتلك تأخذ شعرة منه لتتزوج، وتلك تتمسّح بمؤخرّته لترزق بطفل… ثم أسكنوه في بيت نظيف، وعيّنوا له خدما، وصار الحمار يسرح ويمرح في كل مكان، ويأكل ويشرب من أي بيت يريد، والكل يقدّسه ويتبرك منه!
ثم عاد الـمستشار إلى الملك وقال: الآن يا مولاي، أيّهما أفضل؟! أنت يا مولاي ألبست العتّال ثوب الـمال والسلطة، وهذا ثوب زائل لأنك تستطيع سلبه إيّاه. أمّا أنا، فقد ألبست الحمار ثوب القداسة، وهذا الثوب لا يمكن أن يسلبه منه أحد، حتى أنت يا مولاي!
فكم حمارا ألبسه الـجهلة ثوب القداسة، وأصبح الآن يسرح ويمرح على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية… وأوصلوا العالم إلى دمار البلاد وقتل العباد!
نحن شعب يعبد الطائفة عبادة عمياء، ويموت في سبيل الزعماء، ويدّعي المعرفة ويصطنع الحكماء، وليس عنده لوطنه الولاء!
الطائفة خطّ أحـمر، حتى ولو كان الـملتحف بها مجرما، فالطائفة أقوى من الدولة والقانون، تحرّم وتحلّل، حتى باتت تلتحف ثوب الإيـمان جهارا، لتخفي داخله الفساد وأسوأ العباد، ومن يحرق البلاد!
من أجل جوعكم وعطشكم ودوائكم وشرفكم لا تثورون، ولكن من أجل زعماء طوائفكم تموتون. فالإيـمان الأعمى أفيون الشعوب!
لماذا تخجلون، هيّا مدّوا أيديكم إلى قفا الحمار المقدّس، وانتفوا شعرة من قفاه تتبرّكون بها، لعلّكم تشفون من عاهاتكم… وافتخروا! وعليكم السلام!
فوزي عساكر