الانتخابات البلدية سقطت في فخ الطائفية

كتب عوني الكعكي:

بعد انتظار دام تسع سنوات، وبعد اتهام الدولة بالتهرّب من إجراء انتخابات بلدية، لأنها لا تريد أن يحصل أي تغيير، خاصة أنهم كانوا يعتبرون أن الانتخابات سوف «تخلق» مناخاً جديداً يؤدّي الى تغيّرات كبرى على الصعيد السياسي.

و «جاءت» الانتخابات البلدية لتسقط في جبل لبنان للأسباب التالية:

أولاً: كل هذا الكلام عن ضرورة إجراء انتخابات، حرصاً على الديموقراطية، وأنّ لبنان بلدٌ ديمقراطي حرّ، وأنه يتميّز عن غيره من البلاد العربية الأخرى بأنه بلد الحرّيات كان كلاماً «بكلام».

جاءت نتائج الانتخابات لتثبت أننا بلدٌ متخلّف، يتحدّث عن الحرّيات لكنه لا يمارسها.

ثانياً: كل الكلام عن الديموقراطية سقط أيضاً، لأنه يبدو أن الطائفية كانت الأهم والأبرز… وهي التي تقود المجتمع في لبنان ضمن إطار المذهبية والقبلية والعشائرية، وأنّ الزعيم فلان، وأنّ العائلة الفلانية هي الهدف. أما العلم والثقافة فكلها عبارة عن شهادات على أوراق وهي مجرّد حبر على ورق، نفرح حين نعلّقها على الجدران ضمن «براويز» جميلة.

أما عن النتيجة، فهي باختصار شديد من نجح؟ ابن «مين» ومن أي عائلة، وما هو مذهبه وكم يملك من المال؟

ثالثاً: أريد أن أتحدّث اليوم عن التحالفات… فنرى مثلاً أنه لم يعد هناك وجود للعائلات… والأهم هو أن كل ما يهم المرشحين أن ينجحوا بدون تعب أو جهود أو تخطيط لمشاريع قاموا بها، إذ يكتفون بشعار «أنا حلو حبّوني».

رابعاً: كل المعارك على الصعيد المسيحي كانت بين التيار العوني والقوات اللبنانية والكتائب، لكنك ترى أن هذه الأحزاب تجتمع أحياناً وهي متفقة في اللوائح نفسها، وهذا ما شاهدته في طرابلس وفي زغرتا وفي بشري وفي الكورة وفي الضنية. إذ باختصار لا تعرف «مين مع مين» و «مين ضد مين».. المهم الوصول الى المناصب فقط لا غير، مع الأخذ بالاعتبار أنهم يرفضون أن يدفعوا ولو فلساً واحداً.

خامساً: نسبة الاقتراع بعد ما شاهدناه ولمسناه من استعدادات وأحاديث على شاشات التلفزة، وما سمعناه من تصريحات هي نسب ضئيلة جداً… إذ يبدو لك أن كل لبناني سوف يذهب ليشارك بالتصويت لأنه حريص على الاستحقاق الديموقراطي لكن النتيجة تأتي مخيبة للآمال. ويكفي أن لا تصل نتيجة الاقتراع الى أكثر من 40 %، وفي بعض الأماكن لا تتجاوز الـ20 % أو الـ22 %.

هذه النسبة المتدنية تؤكد أننا شعب «بيحكي كتير» و «يعمل القليل»، شعب يملأ الدنيا صراخاً ويدّعي الديموقراطية ولكنه لا يمارسها، شعب يحب النقد فقط من دون القيام بأي عمل يصحّح ما يشكو منه.

سادساً: طالما أن النتائج معروفة سلفاً، وطالما أن الأحزاب المتنازعة مع بعضها البعض في السياسة تتفق مع بعضها البعض.. فالسؤال المطروح: لماذا تُدفع الدولارات، ولمن؟

وهل هذا الدفع كي يؤكد المواطن أنه شريف نظيف مستقيم لا يقبل الغش، صاحب ضمير مستقيم يخاف من ربّ العالمين؟

أين التعاليم الدينية عند كل الطوائف حول الغش والسرقة و «الزعبرة» والرشوة؟ كلها من أجل الوصول الى الكرسي وهي مشروعة ومبرّرة وقد تصبح شرعية…

باختصار: ليتنا سكتنا وأبقينا هذا الاستحقاق «نائماً». والمصيبة الأكبر أننا قد لا نغيّر شيئاً في الانتخابات النيابية.

سابعاً: كنا نظن أن «اتفاق معراب» جاء ليضع حداً للخلافات المسيحية، ليتبيّـن أنّ ميشال عون حصل على الرئاسة و «شمع» الخيط، وأخلّ بوعده. أما عن تقاسم عدد الوزراء وتقاسم عدد النواب فهذا ذهب أدراج الرياح.

المهم والأهم تأمين مصلحة كل زعيم، فالمصلحة الخاصة فوق كل اعتبار ولا وجود للمصلحة العامة.

«الشرتوني» قتل بشير الجميّل (كما يدّعون)، ورغم ذلك نجد اتفاقاً في الانتخابات البلدية بين «القوات» والحزب السوري القومي الاجتماعي، فكيف تمّ هذا الاتفاق؟

أمر عجيب غريب… لكنه قد لا يحدث إلاّ في وطن الغرائب والعجائب لبنان.

ثامناً: الزعيم سليمان فرنجية تنازل عن رئاسة الجمهورية إكراماً لميشال عون، بينما الأخير رفض أن يؤيّد الزعيم في الرئاسة لمدة سنتين، والغريب العجيب كيف تحالف فرنجية مع التيار العوني في انتخابات البلدية.

لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.

aounikaaki@elshark.com