الحرية لا تُمنح… بل تُنتزع وتصان بالقانون والكلمة الحرة

بقلم المحامي عمر زين

في 3 ايار اليوم العالمي لحرية الصحافة، لا يمكن أن نكتفي بالاحتفال الرمزي، أو بالتغني بالشعارات، بل علينا أن نُعيد التأكيد على حقيقة راسخة: الحرية ليست منحة من أحد، بل حقٌ أصيل يُنتزع، ويُصان بالقانون والكلمة الجريئة. فحين تغيب هذه الحرية، تخفت أصوات الشعوب ويعمّ الظلام.

فالصحافة الحرة ليست ترفًا ولا مجاملة ديمقراطية، بل هي ضرورة وجودية لأي مجتمع حر.

فمن دونها، يصبح الرأي الواحد هو القانون، وتُغتال الحقيقة في وضح النهار.

إنها الأوكسجين الذي تتنفس به الديمقراطية، وصوت المظلوم، ومرآة المجتمع، وسلاح الكلمة في وجه التعتيم والاستبداد. وكلما ضاقت المساحات أمامها، اتسعت رقعة الظلم والفساد.

الصحافي ليس ناقلًا للحدث فحسب، بل هو شريك في تحقيق العدالة، ومنارة في طريق الحقيقة.

فهو يمسك بالقلم لا ليكتب فقط، بل ليواجه ويقاوم ويشهد للتاريخ.

حين تختار السلطات الصمت، أو تمارس التواطؤ، يظل الصحافي هو من يكسر جدار الخوف، ويكشف ما خفي، ويواجه ما لا يُقال. إنه شاهدٌ على الزمن، لا يخشى أن يدفع ثمن الشهادة.

من هنا، فإن الدفاع عن حرية الصحافة هو دفاع عن حق المواطن في المعرفة، وعن حقه في أن يكون فاعلًا لا ضحية.  لأن من يُحرَم من المعرفة، يُحرَم من حريته ومن القدرة على الاختيار.

 ومن موقعي كمحامٍ، أؤمن أن مسؤوليتنا لا تتوقف عند تمثيل الصحافيين أمام المحاكم حين يُلاحقون ظلمًا، بل تمتد لتشمل حماية البيئة القانونية التي تضمن عملهم الحر. فالدفاع عن حرية الصحافة يبدأ من النصوص ولا ينتهي في قاعة المحكمة.

نحن بحاجة إلى منظومة تشريعية تحترم الكلمة، لا تجرّمها؛ تحاسب المعتدين، لا أصحاب الأقلام؛ وتكرّس حرية التعبير، لا تُصادرها. فالقانون إن لم يكن حاميًا للحرية، صار أداةً في يد القامعين.

في العالم العربي، تتضاعف التحديات. فلا صوت يعلو فوق صوت القمع إلا من اختار أن يصدح رغم الخطر.

 فالصحافي يواجه اليوم تضييقًا ممنهجًا، وقوانين فضفاضة تُستخدم كأدوات قمع، وقضاءًا في بعض الأحيان يخضع للضغوط. ومع ذلك، ما زال كثيرون يحملون أقلامهم كما يُحمل السلاح في المعركة.

ومع ذلك، يواصل كثير من الصحافيين أداء رسالتهم بشجاعة، وهم يدركون تمامًا أن الكلمة الحرة لا تموت، حتى وإن أُسكتت الأصوات. فهي تبقى حيّة في ضمير الشعوب، وتُزهر مهما طال الشتاء.

لهؤلاء أقول: أنتم لستم وحدكم. وراءكم من يرفع الصوت دفاعًا عنكم، ومن يشارككم المعركة بالقانون والموقف.

 هناك من يقف إلى جانبكم في ساحات القانون كما في ميادين الكلمة. والمعركة واحدة، وإن اختلفت أدواتها.

  وأجدد، في هذا اليوم، التزامي المهني والإنساني، أن أكون في صف كل صحافي يُلاحَق بسبب قلمه، وأن أستمر، مع زملائي من رجال القانون الأحرار، في النضال من أجل قوانين تحمي الإعلام الحر وتكرّس الشفافية وتُعلي من شأن الحقيقة.  فنحن لا ندافع عن أفراد فقط، بل عن حق أمة في أن ترى وتعرف وتقول.

نحن بحاجة ماسة إلى قضاء مستقل لا يُهادن، وإلى سلطة لا تخشى النقد، وإلى ثقافة عامة تُدرك أن الصحافي ليس خصمًا، بل شريكًا في البناء، وضمانة من ضمانات السيادة الشعبية.

فالمجتمعات تنهض حين تتّسع صدورها للنقد، لا حين تُكمّم أفواه النقّاد.

إن حرية الصحافة ليست امتيازًا تمنحه الأنظمة، بل حقٌ يكفله الدستور، ويحميه القانون، ويصونه الضمير. ومن يتنازل عن هذا الحق، يفرّط بأساس العدالة والحياة الحرة.

وكل عام وأنتم حُراس الحقيقة، وصوت من لا صوت له.

فوجودكم لا يحمي الحقيقة فحسب، بل يصون كرامة الإنسان.

المحامي عمر زين

*الامين العام لاتحاد المحامين العرب(سابقاً)

*رئيس المنظمة العربيَّة لحماية ومساندة الصحفيّين وسجناء الرأي