“الحزب” يخاطب ترامب بالنصائح آملاً تحرير أسراه؟

بقلم وليد شقير

«أساس ميديا»

فاخر الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم باندفاع الجنوبيين نحو قراهم للإدلاء بأصواتهم على الرغم من المخاطر. لكنّ انتقال رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى بلدته العيشيّة في الجنوب للإدلاء بصوته حمل دلالات بالغة الأهميّة. فالاتّصالات الضاغطة التي أجرتها الرئاسة، لا سيما مع الجانب الأميركي، كان لها الدور الحاسم في تمرير الاستحقاق بسلام.

نجاح الحصول على “ضمانات”، كما سمّاها الرئيس اللبناني، لإجراء الانتخابات، حجّة إضافية لمصلحة السلطة اللبنانية في وجه التناقض بالموقف الأميركي. ثبت السبت الماضي أنّ لجم واشنطن لإسرائيل عن مواصلة عربدتها العسكرية مكّن الدولة من إنجاز استحقاق يعزّز سيادة الدولة… تضاف هذه الحجّة إلى إعلان خطّة جمع سلاح المخيّمات الفلسطينية.

صدق الجانب الأميركي هذه المرّة، لمدّة 24 ساعة فقط، حين لجم إسرائيل عن شنّ اعتداءات على القرى الجنوبية أثناء الانتخابات البلدية في 24 أيّار. كانت الترجيحات تشير إلى نيّة تل أبيب منع إجراء الانتخابات. عزّز المخاوفَ قصفُها للغرف الجاهزة في القرى الحدودية، ومواصلة الاغتيالات بالمسيّرات، بحجّة تصفية كوادر من “الحزب”، التي تطال أناساً لا علاقة لهم بادّعاء منع عودة البنية العسكرية لـ”الحزب”. غابت المسيّرات نسبيّاً عن الأجواء، يوم الانتخابات وعادت فجر اليوم التالي.

لضمان الانتخابات: اتّصالات عون شملت أورتاغوس

كانت مخاطر تسبُّب الاعتداءات يوم الانتخابات بمجازر ضدّ تجمّع الجنوبيين في قراهم، فرضت نفسها في الأيّام التي سبقت. فقد شنّ الجيش الإسرائيلي زهاء 30 غارة تدميريّة ووهميّة قبل يومين من الاستحقاق.

علم “أساس” أنّ الرئيس عون أجرى اتّصالات عدّة لتفادي الأسوأ، من دون إعلانها، شملت مورغان أورتاغوس. نقل إليها الحجّة اللبنانية: مواصلة إسرائيل خرقها لاتّفاق وقف الأعمال العدائية تتسبّب بنتائج دمويّة لاستهدافها الناس في سيّاراتهم المتوجّهة إلى الجنوب. كرّر حجّة السلطة اللبنانية بأنّ استمرار احتلالها يعيق انتشار الجيش كما جاء في بيان لقائد الجيش رودولف هيكل. بل إنّ الرئيس عون، حسب مصادر سياسية علمت باتّصاله بأورتاغوس، أبلغها أنّ خروقات إسرائيل تعيق كلّ شيء، بما فيه الحديث عن سحب السلاح غير الخاضع للشرعية، مشيراً إلى استحقاق الانتخابات البلديّة في الجنوب والمخاوف من أن تعطّل الخروقات إجرائها.

ردّت أورتاغوس بأنّها ستجري اتّصالات، ثمّ أجابت عون بأنّ الجانب الإسرائيلي سيتوقّف عن عمليّاته لضمان أمن الاقتراع. تعاطى عون مع ذلك ولسان حاله يقول إنّه إذا لم تنجح جهوده فلن تتمكّن الجهات المعنيّة من إجراء الاستحقاق جنوباً. اكتفى بإطلاع رئيس البرلمان نبيه برّي وغيره من المعنيّين على النتائج، من دون إعلان ما قام به، مفضّلاً الحذر حيال التزام إسرائيل التنفيذ. تقصّد يوم الاقتراع زيارة مدينة صيدا ثمّ بلدته حيث أدلى بصوته، في رسالة ترمز إلى حضور الدولة برأسها وأجهزتها في الجنوب على الرغم من كلّ المخاطر، ومن جهته كان الجيش نفّذ انتشاراً غير مسبوق لتطمين الناخبين.

الأميركيّ اقتنع بعدم فائدة بقاء إسرائيل

كان الرئيس دونالد ترامب أجرى الخميس الماضي اتّصالاً مع بنيامين نتنياهو تناول فيه المفاوضات الأميركية مع إيران على ملفّها النووي، حسبما أُعلن، ولم يُعرف هل تناول مسألة التهدئة جنوباً، لكنّ أوساطاً شبه رسمية تدعو إلى عدم إغفال تأثير الانزعاج الترامبيّ من سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي، سواء بالنسبة إلى موضوع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، أو التفاوض مع إيران.

هل تتيح تجربة وقف الاعتداءات يوم الانتخابات للتمنّيات اللبنانية الرسمية بأن تعدّل إدارة ترامب مقاربتها للبنان بحيث تخفض ضغوطها عليه؟ بالإضافة إلى مفعول وضع الجدول الزمني لسحب السلاح من المخيّمات الفلسطينية كدليل على جدّية السلطة في تطبيق حصريّة السلاح بالدولة التي تأمل منها تسهيل التطرّق إلى سلاح “الحزب” شمال الليطاني، حيث أنجز الجيش الكثير. تزامنت جهود الرئيس اللبناني لدى أورتاغوس مع مؤشّرات منها:

– أنّ الجانب الأميركي انضمّ، حسب مصادر دبلوماسية، إلى وجهة نظر فرنسا، العضو في لجنة متابعة تنفيذ وقف الأعمال العدائية، الخماسية، وإلى وجهة نظر قيادة القوّات الدولية (اليونيفيل) بأن لا قيمة عسكرية لاستمرار احتلال إسرائيل التلال الخمس في الحافة الأماميّة للحدود، ولا نتائج عسكرية مفيدة لأمن إسرائيل من مواصلتها ضرباتها.

تشير معطيات جهات رسمية إلى أنّ الرئيس الجديد للّجنة الجنرال الأميركي مايكل ليني، الذي حلّ مكان الجنرال جيفري جيفرز مطلع نيسان الماضي، استطلع الوضع الميداني في الجنوب بدقّة، وانتهى إلى النتيجة نفسها للجانبين الفرنسي والدولي، واطّلع على ما أنجزه الجيش اللبناني من نزع السلاح جنوب الليطاني.

أشارت هذه الجهات إلى أنّ ليني يميل إلى أن لا قيمة عسكرية لوجود إسرائيل في التلال الخمس، لضمان أمن المستوطنات الإسرائيلية، بظل وسائل المراقبة التكنولوجية الحديثة، سواء عبر المسيّرات، أو عبر الأقمار الاصطناعية. لكنّ هذا التطوّر لم ينعكس بعد اقتناعاً أميركياً بدفع إسرائيل للانسحاب.

مسعى إطلاق أسرى “الحزب” ونصائح قاسم لترامب

– يجري وسطاءُ اتّصالاتٍ حثيثةً (يرجّح أنّ قطر بينهم) من أجل الإفراج عن أسرى “الحزب” لدى إسرائيل، بمن فيهم القبطان عماد أمهز الذي أسرته فرقة كوماندوس إسرائيلية في عملية خاطفة في البترون، مطلع تشرين الثاني الماضي.

– “الحزب” يبدي مرونة إزاء تحرّك السلطات اللبنانية، وقد يخفّف شروطه لبحث تسليم السلاح. لفت قول الشيخ قاسم بسياق مطالبته الدولة بالتحرّك لوقف انتهاكات إسرائيل: “الأمر يحتاج إلى بعض الوقت ونحن نعطي بعض الوقت”. خاطب قاسم الجانب الأميركي بلغة “الناصح” الغيور على المصلحة الأميركية. قال: “ننصح الرئيس ترامب بفرصة العمر للتحرّر من إسرائيل”. واعتبر أنّ “إعطاء إسرائيل المجال لتستمر في غزة ولبنان، سيفوّت على أميركا فرصة مهمّة للاستثمار في لبنان والمنطقة”.

فيما يطرح مراقبون هذه المؤشّرات بحذر، أبلغت مصادر وزارية “أساس” أنّها تخشى تصنيف لبنان في مرتبة متأخّرة في الأجندة الأميركية، بحيث يبقى تحت رحمة الغرور الإسرائيلي. ولهذا حديث آخر.

وليد شقير