كتب عوني الكعكي:
بالعودة الى تاريخ لا بدّ أن نتذكره، وهو في العام 1969، حيث اتخذ قرار في الجامعة العربية بالسماح للفلسطينيين بحمل السلاح للدفاع عن المخيمات، وحمل السلاح من أجل القيام بعملية فدائية ضد العدو الإسرائيلي.
هذا القرار كان أسوأ قرار في التاريخ اتُّخذ بحق لبنان.. ونستطيع القول إنّه منذ ذلك التاريخ، بدأت نهاية مرحلة الاستقرار في لبنان، وتحوّل وطننا الجميل: لبنان المدرسة، ولبنان الجامعة، ولبنان السياحة، ولبنان المستشفى، ولبنان البنوك، الى بلد الحروب. ومنذ ذلك الوقت انقسم اللبنانيون الى فريقين: الأول مع «اتفاق القاهرة» وهم المسلمون.. ومن الطبيعي أن يكون الفريق الثاني المسيحي ضدّ هذا الاتفاق، وضدّ الوجود المسلح الفلسطيني.
ربما يسأل أحدهم: وكيف سمح المسيحيون بذلك الاتفاق، خصوصاً أنّ الذي وقّع على الاتفاق هو قائد الجيش الجنرال إميل بستاني وهو من الطائفة المارونية الكريمة؟
في الحقيقة، سكت الزعيم بيار الجميّل يومذاك لسبب هو أنّ هناك استحقاقاً رئاسياً، لذلك ظنّ انه بسكوته يمكن أن يصبح رئيساً للجمهورية. كذلك فعل الرئيس كميل شمعون الذي كان يطمح أن يكون رئيساً للمرّة الثانية. الوحيد الذي رفض بقوة هو الزعيم ريمون إدّه الذي أصرّ على رفضه ولم يتزحزح عنه.
وللتذكر، فإنّ الشهيد رشيد كرامي كان مكلّفاً بتشكيل حكومة، فجمّد الحكومة 7 أو 8 أشهر حتى يتم التوقيع على «اتفاق القاهرة».
أما اليوم فإنّ هناك فجراً جديداً بدأ يلوح في الأفق، إذ إن تسليم السلاح الفلسطيني في مخيّم برج البراجنة قرب بيروت، وفي مخيّم البص في صور، يوحي بالانفراج والتسليم بحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية الأخرى فقط.
قد يقول البعض إنّ هذه الخطوة غير كافية، وأنا أقول: هذا كلام محق، ولكن لماذا لا نأخذ هذه الخطوة ونبني عليها؟
بوجود رئيس جمهورية كالعماد جوزاف عون، ووجود رئيس مجلس نواب عاقل ومتزن وحكيم كالرئيس نبيه بري، ورئيس حكومة يتميّز بصلابة آرائه وقوة قراراته وحكمته أيضاً، أظن أنّ هذه الأمور سوف تساعده على حلّ: السلاح الفلسطيني أولاً، وستكون الخطوة الثانية سلاح المقاومة.
لا أظن أنّ أحداً في لبنان له مصلحة بأن يذهب الى الحرب إلاّ إسرائيل.. لذلك فإنّ هذا الموضوع حسّاس جداً.
بانتظار الخطة التي تضعها القيادة العسكرية بالتفاصيل المملّة، لا بُدّ من دراسة الخطوات بتأنٍّ، أظن ان الجيش متفهم للوضع وحريص على السلم الأهلي… ولا يمكن أن يعمل إلاّ وفق مصلحة البلاد التي يعتبرها فوق كل اعتبار… هكذا عوّدنا الجيش اللبناني قيادة وأفراداً.
الأهم من هذا وذاك هو العودة الى خطاب القسم الرئاسي.. لا بدّ أن نعود ونقرأه بهدوء، ولا بدّ أيضاً من العودة الى البيان الوزاري، ونقرأه بتأنٍّ وهدوء، نرى أن البلاد اليوم أصبحت على طريق السلام، وأنّ قرار رئيس الجمهورية بإعادة بناء الوطن، متفقاً مع قرار اتخذه رئيس الحكومة وبقية الوزراء لا يمكن الرجوع عنه.
أظن أنه جاء الوقت أن ينتقل لبنان من حالة الحرب الى حالة السلم الأهلي، ولبنان يكفيه ما قدّمه من تضحيات في سبيل فلسطين، والتضحيات التي قدّمها شعبه في محاربة إسرائيل.
رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيس الحكومة قرّروا أن يأخذوا البلاد الى السلام مع الأخذ بالاعتبار أنّ تسليم السلاح للدولة لا يعني الاستسلام.
وأنّ السلام مع إسرائيل هو سلام بين دولة ودولة: أي تبادل سفراء وإقامة سفارات، أما بالنسبة للتطبيع… فالشعب اللبناني سيحذو حذو الشعب المصري. بمعنى أنه سيرفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي حكماً.