الدروز مكوّن أساسي من الشعب السوري

كتب عوني الكعكي:

أوّل زيارة منذ 60 عاماً يقوم بها رئيس الجمهورية السورية للأمم المتحدة في نيويورك، وهذا يؤكد أنّ سوريا بدأت عصراً جديداً ليس له أي علاقة بالعهد الماضي.

لماذا هذه المقدمة تكتسب أهمية خاصة؟ الجواب: لأنها تعطي فكرة عن هويّة النظام الذي سيحكم سوريا، إنه عهد جديد للديموقراطية والحرية التي كان ينادي بها الشعب السوري يوم الانتفاضة، حين رفع شعار: الشعب يريد تغيير النظام، والشعب يريد انتخابات نيابية حرّة، والشعب يريد إطلاق الحرّيات، ولصحافة حرّة وللسماح بحرّية التلفزيونات والصحف والمجلات والإذاعات… كل هذه الأحلام تحققت حين بدأ الشعب يشق طريقه، وخلال سنوات قليلة سيشعر المواطن أنّ سوريا اليوم غير سوريا الأمس.

كلام الرئيس الشرع في أميركا كلام رئيس متكامل موزون يحترم الديموقراطية ويريد السلام لبلاده…

لقد أعلن أنه يريد السلام مع جميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.

على كل حال، هناك صراع في جنوب سوريا حيث يعيش في تلك المنطقة الدروز، ولكن يبدو أنّ إسرائيل تحاول أن تلعب بهم وتحرّضهم على إقامة دولة درزية… وقد موّلت المشروع بمليار دولار قدّمته للشيخ الهجري من أجل ذلك.

وقبل أن نتحدث عن الزعيم الوطني الكبير سلطان باشا الأطرش، لا بدّ أن نشكر الزعيم الوطني الدرزي اللبناني وليد بك جنبلاط الذي كان السبّاق في الذهاب الى سوريا وتهنئة الرئيس الجديد أحمد الشرع، وأكد على دور الدروز في سوريا لأنهم عنصر وطني أساسي في تكوين سوريا.

ونضيف على موقف الزعيم وليد بك ونصيحة البيك الى أن مصلحة الدروز هي مع العالم العربي وفرص العمل الموجودة في العالم العربي أساسية بالنسبة لمصلحة الدروز.

ونحن نتحدّث عن دور الدروز في سوريا، لا بدّ من أن نعطي موجزاً عن الزعيم الوطني الدرزي سلطان باشا الأطرش.

فسلطان باشا الأطرش قائد سوري ينتمي الى طائفة الموحدين الدروز، وكان يُعَدّ القائد العام للثورة السورية الكبرى التي اندلعت في سوريا ضد الاستعمار الفرنسي في 21 تموز 1925، بقيادة ثوار جبل الدروز في جنوب سوريا، وانضم تحت لوائهم عدد من المجاهدين من مختلف مناطق الدول العربية.

وُلد سلطان الأطرش في قرية القريا في محافظة السويداء منطقة صلخد عام 1891. والده ذوقان بن مصطفى بن اسماعيل الثاني مؤسّس المشيخة الطرشانية 1869. كان مجاهداً وزعيماً محلياً قاد معركة ضارية في نواحي الكفر عام 1910، وهي معركة كانت تشنها السلطة العثمانية على جبل الدروز لكسر شوكته وإخضاعه لسيطرتها. أعدمه الأتراك شنقاً بسبب تمرّده عام 1911. أما والدة سلطان فهي شيخة بنت إسماعيل الثاني.

إلتحق سلطان باشا الأطرش بالعسكر العثماني وأدّى الخدمة العسكرية للدولة العثمانية في الأناضول، ومُنح لقب باشا تقديراً له من السلطات العثمانية على خدماته في دول أوروبا الشرقية (البلقان)، وبعد انتهاء خدمته، كانت الحرب العالمية الأولى قد انتهت. والظاهر أنه أراد التصدّي للوجود الفرنسي والبريطاني. فعاد الى بلاد الشام وابتدأ ينشط بالاتصال بالحركات العربية، وبفضل علاقته الدائمة بدمشق، فصارت «القريا» ملجأ ومعقلاً للمناضلين الملتحقين بالثورة العربية في العقبة. وكان سلطان الأطرش أوّل من رفع علم الثورة العربية على أرض الشام (سوريا) قبل دخول جيش الملك فيصل، حيث رفعه على داره في القريا، وكان في طليعة الثوار الذين دخلوا دمشق عام 1918 ورفع العلم العربي في ساحة المرجة فوق دار الحكومة بدمشق. منحه الملك فيصل الأول لقب باشا لشجاعته عام 1918.

وفي الجيش العربي، وبعد تقسيم منطقة الشرق الأوسط وبلاد الشام الى خمس فيدراليات، طرح عليه الفرنسيون حكم جبل الدروز في محافظة السويداء بصفته الزعيم الدرزي الأبرز يومها، لكنه رفض رفضاً قاطعاً، وكان مع التيار الإسلامي العربي الذي سعى سعياً دؤوباً لإلغاء دولة لبنان الكبير بحجة إنشاء فكرة دولة عربية سورية بديلة بحجة الوحدة والرفض للتجزئة والاستعمار.

لم يتوقف نضال سلطان باشا الأطرش بعد الثورة بل شارك أيضاً بفعالية في الاحتجاجات السورية عام 1945. وكان جبل العرب بتوجيه منه أسبق المحافظات السورية في طرد الفرنسيين، إذ طوّق أبناؤه مراكزهم وأخرجوهم، وذلك بقيادة الأمير حسن الأطرش محافظ الجبل آنذاك. وانتقمت فرنسا لنفسها من انقلاب الجبل هذا وتحرير السويداء بقصف دمشق والسويداء وأنحاء من سوريا في 1945/5/29. فكان ذلك بداية خروجهم من سوريا. كما دعا عام 1948 الى تأسيس جيش عربي موحّد لتحرير فلسطين، وبالفعل تطوّع المئات من الشباب واتجهوا للمشاركة الفعلية في حرب 1948، واستشهد هناك حوالى 80 شاباً من الجبل.

في ذلك الوقت، حدثت الخيانة العظمى للدروز مع اليهود، وتمّ تثبيت الولاء حيث عاد الجيش الدرزي الى جبل الدروز، وتمّ خداع العرب ليقوموا بإخلاء عكا وقرى الجليل في فلسطين حيث تم تسليمها لليهود دون قتال.. ومن هنا تمّ التحالف بشكل حقيقي بين الدروز واليهود ضد الأمة العربية والإسلامية.

وأثناء حكم الشيشكلي عارض سلطان باشا الأطرش سياسة الحكم فغادر الجبل الى الأردن في كانون الثاني 1954. فاعتقل العديدون بينهم منصور الأطرش أحد أبناء سلطان، وجرت محاولة درزية لإخراجه من السجن مما أدّى الى اشتباك مسلح سرعان ما تحوّل الى معركة في جبل العرب. وعاد الأطرش الى بلده بعد سقوط الشيشكلي.

أيّد سلطان الأطرش الانتفاضة الوطنية التي قادها الزعيم كمال جنبلاط في لبنان عام 1958 ضد سياسة كميل شمعون، كما بارك الوحدة العربية التي قامت بين مصر وسوريا عام 1958، ووقف بحزم وثبات ضد عملية الانفصال عام 1961.

إنّ ما قام به سلطان باشا الأطرش، كما بيّنا، وما قامت به طائفة الموحدين الدروز، لا يمكن أن يُنسى… فالدروز كانوا ولا يزالون المكوّن الأساسي في سوريا… كما هم المكوّن الأساسي في لبنان…

هم مؤيّدو الوحدة العربية، وهم لا يقبلون بالانفصال أو التقوقع في كيان مذهبي صغير… إنهم دعاة وحدة الدولة ودعائم وجودها…

ومن أجل هذا… فإنّ الرهان اليوم هو على وأد الفتنة في مهدها في السويداء وجبل العرب والجنوب السوري… لأنّ لا أحد قادر على انتزاع الدروز من الحضن السوري. وعلى الحكم اليوم تسوية كل ما شاب العلاقات بروح المحبة والتسامح ومحاسبة المسيء الى أية فئة انتمى.

aounikaaki@elshark.com