الدور السعودي في لبنان بين احتواء التشنّج وحماية الاستقرار

بقلم دافيد عيسى

في خضمّ المشهد اللبناني المأزوم سياسيًا واقتصاديًا، يبرز اليوم دور سعودي نشط يسعى لاحتواء الأجواء المتشنّجة ومنع انزلاق البلاد نحو مواجهة داخلية جديدة. المملكة، التي اتسمت سياساتها خلال السنوات الماضية بالحذر، تبدو عازمة على العودة بخطوات مدروسة، مع التركيز على الحفاظ على الاستقرار وتثبيت مناخ التهدئة السياسية والأمنية.

ويظهر هذا الحراك من خلال جهود الموفد الخاص للمملكة إلى لبنان، الأمير يزيد بن فرحان، الذي يركز على تعزيز الحوار بين مختلف القوى السياسية، ودفعها لاعتماد منطق الدولة والمؤسسات في إدارة الخلافات الداخلية. كما يلعب السفير السعودي في بيروت، وليد البخاري، دورًا محوريًا كقناة اتصال مستمرة بين القيادة السعودية والقيادات اللبنانية، ما يعكس الحرص على وضوح الرسائل السياسية واستمراريتها.

يبدو أن هذا الدور السعودي يتجاوز مجرد المواقف أو البيانات، ليصبح جهدًا دبلوماسيًا متكاملًا يهدف إلى تبريد الساحة الداخلية وتثبيت التوازن النسبي بعد فترة من التوتر السياسي.

يتضمن ذلك تحجيم أي صراعات محتملة قد تنعكس سلبًا على البلاد، مع السعي لتحييد لبنان عن التوترات الإقليمية المتنامية.

وتشير الممارسات الأخيرة إلى أن الرياض تدرك جيدًا أن أي انفجار داخلي سيكون له انعكاسات كبيرة على لبنان والمنطقة، لذلك تركز جهودها على ضبط الخطاب العام والسيطرة على مظاهر التوتر السياسي والإعلامي، بما يحول دون وصول الأزمات إلى الميدان. وفي الوقت نفسه، يسعى الحراك السعودي إلى تعزيز أطر التعاون الثنائي مع لبنان، بما يضمن استمرار الدعم السياسي والاقتصادي بطريقة مدروسة ومتوازنة.

كما أن الاستراتيجية السعودية الحالية تتضمن مقاربة جديدة تربط الدعم بالإصلاح والمسؤولية، مع التركيز على الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد واستعادة الدولة لقرارها السيادي. على الصعيد الإقليمي، تأتي هذه الخطوات في مرحلة دقيقة تشهد تبدلات في موازين القوى، ما يتيح للمملكة فرصة إعادة تثبيت حضورها في بيروت وتكريس التوازن العربي في مواجهة النفوذ الإقليمي المتعدد.

غير أن الواقع اللبناني معقد، إذ تتنازع القوى الداخلية على هوية الدولة ودورها، بينما تستمر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في إضعاف قدرة المؤسسات على النهوض. لذلك، يظهر الدور السعودي كمسعى لتوحيد الجهود بين الدعم التقليدي للبنان والمقاربة الجديدة المشروطة بالإصلاح، لتحويل لبنان من ساحة مواجهة إلى مساحة تلاقي.

في الختام، يمكن القول إن العودة السعودية إلى لبنان ليست للهيمنة أو التصعيد، بل لإرساء توازن واستنهاض وطني جامع يقوم على الحوار والدعم المشروط بالإصلاح. إذا نجح هذا التوجه، فقد يكون بداية مسار جديد يعيد للبنان عمقه العربي الطبيعي، ويفتح أمامه فرصة للخروج من دوامة الانهيار نحو أفق من التعافي والاستقرار.

دافيد عيسى