كتب عوني الكعكي:
بعد 47 سنة على تغييب الإمام موسى الصدر، لا يسعنا إلاّ أن نقول سوى كلمة واحدة: إنّ مكانه لا يزال فارغاً..
ولكن في الحقيقة، استطاع الرئيس نبيه بري بكل ثقة، ورجاحة عقل، أن يدير البناء الوطني الذي تركه غياب الإمام موسى الصدر بحرفنة وحكمة نادرتين.
وهنا لا بدّ أن نقول إنّ الذي غيّب الإمام كان يعلم ماذا يفعل، لأنّ بتغييبه -أولاً- أفقد الساحة اللبنانية ميزان العقل التي نحن بأمس الحاجة إليها في الظروف التي يمر بها الوطن.. وثانياً: إنّ من غيّبه -لا شك- ترك الثورة الإيرانية تذهب الى حيث يجب ألاّ تذهب إليه.
من مزايا الرئيس بري، أولاً: يتمتع بحكمة وسعة صدر… يستطيع أن يعالج أي أمر بحكمة ورويّة وتأنٍّ مدروس متفهّم.
ثانياً: رفض الرئيس بري المشاركة في الحرب الأهلية في سوريا، واليوم وبعد سقوط النظام ندرك كم كان قرار الرئيس بري صائباً وحكيماً في آن.
ثالثاً: عند دخول الحزب معركة مساندة غزة تحفّظ في الدخول، وكان يؤيّد السيّد حسن نصرالله شهيد فلسطين ويقدّر أهميّة هذه المساندة.
ولكن بعد مرور الشهر الاوّل ومجيء آموس هوكشتين، أخذ يدرك أنه من الأفضل أن نتوقف، ونذهب الى اتفاق مع إسرائيل حول انسحابها انسحاباً كاملاً، ليس من النقاط الخمس فقط بل من الـ23 نقطة المختلف عليها بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والأهم إعادة النظر بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
رابعاً: ظلّت أميركا تحاول من خلال مبعوثها هوكشتين إحدى عشرة مرّة ناصحة من خلاله لبنان بأن يذهب الى الاتفاق مع إسرائيل.. ولكن للأسف الشديد لم تسمح إيران لشهيد فلسطين أن يتوقف عن المواجهة لأسباب تخص إيران ولا نعرف ما هي.
خامساً: في كل أزمة وطنية يقع فيها اللبنانيون، نرى أن الرئيس بري، هو صمام الأمان ومرجعية لإيجاد الحلول السليمة المتقنة والفاعلة.
سادساً: مرّت أحداث ومؤامرات عدة على لبنان، وبقي الرئيس بري شامخاً. وهنا أسمح لنفسي بالقول: إنه كان في كثير من الأوضاع يتشاور مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حيث حافظ على علاقة ودّية معه، ما أنقذ الوطن من المعارك الطائفية السخيفة والخطيرة والمدمّرة…
سابعاً: حافظ الرئيس بري على علاقات مميّزة مع المسيحيين منذ تسلم منصبه عام 1992، وبالأخص مع بطاركة الموارنة بدءاً بالبطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي تولّى منصبه عام 1986 حتى عام 2011، وانتهاء بالبطريرك مار بشار بشارة بطرس الراعي الذي يتسلم البطريركية حتى الآن.
ثامناً: حافظ على العلاقات مع حزب الله في أحلك الظروف، واستطاع أن يستوعب هذا الحزب في كثير من الأوقات.
تاسعاً: دعم الزعيم وليد جنبلاط بشكل علني، وكان حريصاً على الحفاظ عليه وعلى زعامته، مدركاً المؤامرات الإسرائيلية في تقسيم الدروز، والدليل ما حصل في السويداء، مما يبيّـن بُعد نظر الرئيس بري باحتضان جنبلاط والوقوف الى جانبه.
أخيراً، في هذه المناسبة الأليمة والحزينة لتغييب الإمام السيّد موسى الصدر، أقول: أعاد الله الإمام ورفيقيه، وأضيف: الرب يبلي لكنه يعين.