بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
بعون من الله وتوفيقه سوف تنعقد القمة الخليجية في المنامة عاصمة البحرين يوم غدا الأربعاء في لحظة سياسية شديدة الحساسية والتي ازدادت حدّتها بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الدوحة وما حملته من دلالات خطيرة على مستقبل الأمن الإقليمي واستقراره. وهذا الحدث الاستثنائي لم يكتفِ بكشف هشاشة البيئة الأمنية الخليجية بل أعاد التأكيد على ضرورة الانتقال من ردود الفعل الفردية إلى منظومة أمنية جماعية قادرة على فرض معادلات جديدة . وعلى رأس هذه المعادلات تبرز المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز باعتبار ها اللاعب الأكثر قدرة على تحويل التحديات إلى فرص والأكثر أهلية لقيادة الخليج نحو مرحلة جديدة من التماسك والفاعلية.
فالسعودية اليوم ليست مجرد دولة خليجية محورية بل أصبحت مركز ثقل سياسي واقتصادي ودبلوماسي على مستوى الشرق الأوسط والعالم. وحجم اقتصادها وتحولات رؤيتها التنموية وقدراتها العسكرية وشبكة تحالفاتها الاستراتيجية ووزنها الدولي في قضايا الطاقة والاستقرار العالمي كلها عوامل تجعلها اللاعب الطبيعي لتقود إعادة تشكيل الإطار الأمني الخليجي بعد الحدث الذي أصاب الدوحة ويبدو واضحاً أن أي مقاربة جماعية للأمن لن تنجح دون الاعتماد على الدور السعودي بوصفه ركيزة الاستقرار ومفتاح الفاعلية الإقليمية.
وقد أثبتت السنوات الأخيرة قدرة المملكة على إدارة أزمات المنطقة بـ(عقل دولة) لا بردود انفعالية وعلى بناء توازنات دقيقة جمعت بين الانفتاح السياسي والواقعية الدبلوماسية والتقدم الاقتصادي ما جعلها مركزاً لاستقطاب القوى الكبرى ومنصة لصياغة تفاهمات إقليمية تتجاوز حدود الخليج. وهذا النمط من القيادة يجعلها الأكثر قدرة على توجيه المجلس نحو سياسة ردع متقدمة وإرساء قواعد جديدة للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية والإقليمية التي لم تعد تستثني أحداً.
إن الحاجة اليوم ليست فقط إلى تضامن سياسي بعد استهداف الدوحة بل إلى مشروع خليجي موحد يقوده طرف يمتلك القوة والرؤية والقبول وهو ما تتمتع به المملكة بوضوح. فالتحديات لم تعد تسمح بتفاوت المواقف أو تشتت القرار بل تتطلب اصطفافاً خلف قيادةٍ قادرة على صياغة استراتيجيات دفاعية مشتركة وبناء منظومة ردع تكاملية تشمل الأمن الجوي والصاروخي والسيبراني إلى جانب تعزيز التعاون الاستخباراتي وتطوير مبادرات أمنية مشتركة تُلزم العواصم الخليجية بالعمل كوحدة واحدة.
وفي الجانب الاقتصادي تمتلك المملكة القدرة على دفع المجلس نحو مرحلة جديدة من التكامل عبر مشاريع الربط اللوجستي وتطوير سلاسل الإمداد الخليجية وتوسيع الاستثمارات المشتركة وتوحيد المواقف في أسواق الطاقة العالمية وهو ما يضع دول المجلس على خريطة نفوذ اقتصادي أكبر بكثير من وزنها المنفرد. كما أن السعودية من خلال رؤيتها الطموحة 2030 تقدم نموذجاً اقتصادياً وتنموياً يمكن أن يشكل قاعدة للتكامل الخليجي لا سيما في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والصناعات المتقدمة.
أما على المستوى العربي فإن الدور السعودي يتجاوز البعد الخليجي إذ باتت المملكة اللاعب الأكثر حضوراً في الملفات الإقليمية من فلسطين إلى اليمن والسودان ولبنان ما يمنحها القدرة على تمثيل الصوت الخليجي بشكل موحّد وفاعل في الساحة الدولية. فالمشهد اليوم يحتاج إلى دبلوماسية بحجم التهديدات وإلى خطاب سياسي قادر على حماية المصالح العربية والخليجية بوضوح وثبات وهو ما أثبتت السعودية قدرتها عليه خلال أزمات السنوات الماضية.
ومن هنا فإن القمة في المنامة تمثل فرصة تاريخية للدول الخليجية كي تعيد التموضع خلف القيادة السعودية ليس من باب التفوق أو التبعية بل من باب المنطق السياسي الذي يفرض أن تتقدم الدولة الأكثر قدرة والأكثر وزناً لقيادة مشروع الأمن الخليجي الجديد. وإذا استطاعت الدول الأعضاء أن تتجاوز حساباتها الصغيرة وتتفق على رؤية واحدة تُصاغ في الرياض وتتكامل في العواصم الخليجية فإن المنطقة كلها ستكون أمام مرحلة جديدة أكثر استقراراً وثقة.
في المحصلة الضربة التي أصابت الدوحة ليست مجرد حادثة عابرة بل جرس إنذار أعاد تذكير الجميع بأن أمن الخليج وحدة واحدة وأن غيابه يهدد الجميع دون استثناء. وما تحتاجه المنطقة اليوم ليس فقط قمة ناجحة في المنامة بل قراراً خليجياً شجاعاً بأن السعودية هي القادرة على قيادة المرحلة المقبلة وأن الاصطفاف خلفها ليس خياراً سياسياً بل ضرورة استراتيجية لحماية المصالح العليا وصناعة مستقبل خليجي أكثر قوة ونضجاً وتأثيراً.
اللواء الدكتور عبداللطيف
بن محمد الحميدان