أحمد الصادق – رام الله
«أساس ميديا»
حمل قرار الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في 19 تمّوز بشأن إجراء انتخابات المجلس الوطني لمنظّمة التحرير، مجموعة من الشروط والمحدّدات أمام المرشّحين، جعلت الانتخابات أقرب إلى هندسة مكوّنات المجلس، الذي يعدّ أعلى هيئة تمثيليّة للفلسطينيّين.
من المفترض أن تُجرى الانتخابات قبل نهاية العام الجاري لتنصيب 350 عضواً في المجلس على أن يكون ثلثا أعضائه من الضفّة وغزّة والقدس، والثلث الثالث يمثّل الخارج والشتات.
لكنّ الشروط التي وضعها الرئيس في القرار ستمنع الكثير من الفصائل والأحزاب من المشاركة، وأبرزها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، إضافة الى أحزاب أخرى، خاصّة أنّ تلك الشروط تضمّنت التزام برنامج منظّمة التحرير والتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولية، وهذا يعني الاعتراف باتّفاق أوسلو، ومن ضمنه بدولة إسرائيل والاتّفاقات الموقّعة معها، ونبذ المقاومة المسلّحة.
من المفترض مشاركة كلّ الفلسطينيّين في انتخابات المجلس الوطني، لكنّ ذلك يبدو غير ممكن. وتحت عنوان تعذّر إجراء الانتخابات في الكثير من المواقع، يبدو أنّ المجلس سيكون معيّناً من قبل الرئيس عبّاس والقيادة المحيطة به.
الهباش: لا هندسة للانتخابات
أكّد محمود الهباش، المستشار الديني للرئيس محمود عبّاس، لـ”أساس ميديا”، أنّه لا توجد أيّ ضمانات دولية للقيادة الفلسطينية للضغط على إسرائيل للسماح بإجراء أيّ انتخابات في القدس على سبيل المثال، لافتاً إلى أنّ الرئيس عبّاس تحدّث عن مبدأ إجراء انتخابات تخصّ المجلس الوطني.
أضاف الهباش: “نحن لا نتحدّث عن انتخابات عامّة (رئاسية وتشريعية)، فالظروف الموضوعية لا تسمح بإجرائها، ونحن غير مستعدّين لذلك في ظلّ استمرار الحرب على غزّة أو استثناء القدس منها”.
رفض الهباش وصف قرار الرئيس بما تضمّنه من شروط للمشاركة بـ”هندسة” المجلس قائلاً: “نحن لا نهندس الانتخابات أو المجلس، لكن نضع محدّدات تحمي المشروع الوطني وعنوانه منظّمة التحرير، بصفتها البيت المعنويّ للفلسطينيّين، وبرنامجها هو برنامج النضال الوطني، وكلّ من يخرج عن هذا البرنامج، فقد خرج عن الإجماع الوطني”.
تابع الهباش: “لا يمكن أن تكون هناك مشاركة في الانتخابات لمن يرفض الأساس الذي تقوم عليه الانتخابات، وهو أنّ منظّمة التحرير هي الممثّل الشرعي والوحيد، وبرنامجها هو البرنامج النضالي المعتمد للشعب الفلسطيني”.
نفى الهباش تواصل القيادة الفلسطينية مع أيّ من دول العالم لإجراء الانتخابات للفلسطينيين قائلاً: “لم نتواصل بعد مع أيّ دولة، وكلام الرئيس والقيادة واضح في إجراء الانتخابات حيثما يمكن إجراؤها”، مقلّلاً أيضاً من مقاطعة الانتخابات من شرائح واسعة من الفصائل والفلسطينيّين، التي قد تفقد المنظّمة تمثيل شريحة واسعة قائلاً: “هذا غير وارد. نحن مقتنعون أنّ الشعب بأغلبيّته الساحقة ملتفّ حول المنظمة وبرنامجها السياسي”.
من جهته، علم “أساس ميديا” أنّه جرى يوم الجمعة 1 آب تشكيل اللجنة التحضيرية التي ستتولّى إدارة ملفّ انتخابات المجلس الوطني.
عقبات كثيرة
عضو اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير واصل أبو يوسف قال لـ”أساس ميديا” إنّ “قرار إجراء الانتخابات يأتي في سياق ترتيب المنظّمة، وقد جرى تشكيل لجنة تحضيرية لهذا الأمر، ستجتمع خلال الأيّام المقبلة لبحث إمكان إجراء الانتخابات حيثما أمكن ذلك، والتوافق على العضويّة حيث لا يمكن إجراء الانتخابات”.
لفت أبو يوسف إلى أنّ اللجنة التحضيرية ستناقش جميع القضايا، وتحديداً تلك المتعلّقة بالحوار الوطني، مع كلّ الأطراف السياسية بما فيها الفصائل غير المنضوية في المنظّمة كحركتَي حماس والجهاد الإسلامي.
عن المزاج العامّ الأقرب إلى تشكيل مجلس بالتعيين وليس بالانتخابات قال أبو يوسف: “هذا سيعود لقرار اللجنة التحضيرية التي سترى إمكان إجراء الانتخابات، وحيث لا يمكن إجراء انتخابات سيكون توافق”.
من جانبه، قال مدير مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي في رام الله جهاد حرب لـ”أساس ميديا” إنّ إجراء الانتخابات فعليّاً غير ممكن في ظلّ عدم تذليل العقبات القائمة، التي واجهتها الانتخابات التشريعية عام 2021، وتحديداً مشاركة القدس، وأُضيف إليها العدوان على غزّة.
أضاف حرب أنّ عقبات كثيرة تقف أمام إجراء انتخابات المجلس الوطني في الشتات، خاصة في دول مثل الأردن، وبالتالي إمكان تنظيمها محدود للغاية.
هذا وأكّد حرب أنّ النظام الأساسي لمنظّمة التحرير يفرض أن يكون أعضاء المجلس الوطني منتخبين انتخاباً مباشراً من الشعب الفلسطيني، لكن وفق العُرف السياسي جرى التفاهم على توزيع عضويّة المجلس الوطني، وهو السيناريو الأرجح باعتبار أنّ الظروف غير مهيّأة لإجراء الانتخابات، وهو ما قد يؤدّي الى تعيين أعضاء المجلس الوطني.
في ما يتّصل بتوجّه الرئيس لهندسة المجلس الوطني وفق ما تضمّنه قراره من شروط، قال حرب إنّ “من حقّ الدولة أن يكون لديها نظام واحد وقرار واحد. لكنّ من سمات الدولة أيضاً احترام الاختلاف السياسي داخلها، خاصّة في ما يتعلّق بالأدوات والوسائل في مواجهة الآخرين، بمعنى آخر أنّ الشرط الذي وضعه الرئيس يمنع التنوّع والتعدّد الذي يعبّر عن الشعب الفلسطيني بمكوّناته”.
أكّد حرب أنّ وضع هذه الشروط هو بمنزلة هندسة مكوّنات المجلس الوطني المقبل، أو المجلس التشريعي في حال جرت انتخاباته وفق الشروط ذاتها، وهذا يعني وجود نظام واحد ومكوّن سياسي واحد يتحكّم بالحياة السياسية الفلسطينية دون أيّ تنوّع أو تعدّد.
من جهة أخرى حظي قرار عبّاس بانتقادات من فصائل مختلفة. فقد هاجمت حركة “حماس” القرار واعتبرته “انفراديّاً وبعيداً عن التوافق الوطني، ومخالفاً للاتّفاقات الوطنية الموقّعة بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وتجاوزاً خطيراً للإرادة الوطنية الجمعيّة وتجاهلاً صارخاً لاتّفاقات القاهرة والجزائر وموسكو وبكين”.
بدورها رفضت الجبهة الشعبية (إحدى فصائل منظّمة التحرير) قرار عبّاس لأنّه يُمثّل قفزاً عن التوافق الوطني، وخروجاً على القرارات الجماعية التي حدّدت شروط هذه العملية، وهو ما يجعله خطوةً أحاديّةً تفتقر إلى الشرعية الوطنية، وتكرّس الانقسام، مؤكّدة أهمّية الانتخابات الشاملة بتوافق وإجماع وطني.
أحمد الصادق – رام الله