طوني جبران
قطع التطور الامني الذي وقع في وادي زبقين – صور بعد يوم السبت الماضي المشهد الامني والسياسي في المرحلة الدقيقة التي تعيشها البلاد ما بين محطتي صدور القرار عن مجلس الوزراء بحصر السلاح وحتى اللحظة التي يصل فيها الموفد الرئاسي الاميركي توم براك الى بيروت في زيارته الرابعة المتوقعة بلا اي مواعيد محددة لوصوله ولا تلك المتصلة ببرنامج جولته على المسؤولين اللبنانيين.
فقد قدم الحادث المؤلم الذي ادى الى استشهاد ستة من العسكريين في نفق عائد لـ»حزب الله» نموذجا غير مسبوق حتى اليوم، عندما قدم صورة خطيرة عن حجم المخاطر الناجمة عن طريقة التعاطي مع مثل هذه الأنفاق التي انتشرت في عمق القرى الجنوبية الآمنة منذ سنوات وتحولت مصدر خطر حقيقي على سكانها طيلة فترة الحروب الاخيرة الممتدة من حرب «الإلهاء والإسناد» الى «أولي البأس» وهي مرحلة ترجمتها حرب «الأيام الـ 66» التي احتسبت من تاريخ عملية البايجر في 16 ايلول 2024 وما تلاها من موجات الإغتيال التي حصدت الامينين العامين للحزب حسن نصر الله وهاشم صفي الدين ومرافقيهم ومعهم قادة المحاور والاجهزة والاسلحة المختلفة بمن فيهم أعضاء «المجلس الجهادي» و «قيادة الرضوان» وغيرهم من آلاف المدنيين وعائلاتهم في الفترة الفاصلة عن اتفاق «تجميد العمليات العسكرية» فجر 27 تشرين الثاني 2024.
على هذه الخلفيات، توقفت المراجع السياسية والديبلوماسية والحزبية عبر «المركزية» امام حادثة انفجار مخزن اسلحة الحزب لتنظر اليه في شكله واسبابه ونتائجه من زاوية لم يتنبه اليها احد خلال موجة التعازي والإدانة التي تسبب بها الحادث الجلل – ولو لم يكن هو الأول من نوعه – ولكنه كان الأخطر والاكثر دموية بسقوط ثلة من شهداء الجيش وجرح آخرين من رفاقهم. وما يدمي اكثر انهم استشهدوا بذخيرة قوة كانت «صديقة» على الورق وبفعل ظروف قاهرة امتدت لعقود من الزمن توزعت فيها مصادر الوصاية على لبنان في مرحلتي النظامين السوري القديم حتى خروجه من لبنان ومن بعده النظام الإيراني امتدادا الى الحروب الاخيرة التي ابعدت ايران عن المنطقة كاملة بعد ان تغير وجه سوريا من موقع الى آخر.
وانطلاقا من هذه المؤشرات ، لفتت المراجع الى ان من راقب مجموعة ردات الفعل والتعليقات لاحظ انها بقيت في اطار الاشادة بشهادتهم وتقديم التعازي الى قيادة الجيش، بعد رئيسي الجمهورية والحكومة، إلى ان صدر عن عضو لجنة الدفاع الوطني النائب في كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار تصريح وُصف بأنه باسم كتلة نواب «الوفاء للمقاومة» الذي قدم «أحرّ التعازي وأصدق المواساة من الجيش اللبناني قيادةً وأفرادًا ومن ذوي الشهداء الذين رووا أرض الجنوب الطاهرة بدمائهم الزكية التي امتزجت مع دماء المقاومين الشرفاء». ولكنه تناسى عند ربطه بين دمائهم ودماء «المقاومين» الاشارة الى ان شهداء الجيش سقطوا بذخيرة جمعت في نفق لحزبه وهو ما ترك تفسيرات مختلفة وردات فعل متعددة الوجوه بانتظار التحقيقات الجارية، للتثبت من الاسباب التي ادت الى هذه النتيجة الكارثية، من دون إلغاء احتمال ان يكون آخر من ترك هذه الأنفاق في مناطق أخلاها العدو الاسرائيلي في القطاع الغربي قد فخخ صواريخها وعبواتها من دون ان يبلغ الجيش بذلك، وهو ما تسبب بما حصل.
والمؤسف – تضيف المراجع عينها – يقف برأيها عند ردات الفعل على ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي من تعليقات «دنيئة» كتبها كثر من المؤثرين في الجيش الالكتروني لـ «حزب الله» وانصاره من الأسماء المزورة والغامضة، وقد عبقت بالسخرية من الجيش وشهدائه عدا عن التلاعب بأصوات المسؤولين وصولا الى مواقف وزير الدفاع اللواء ميشال منسى الذي نسب إليه كلام خضع لتعديلات مفضوحة تحدث فيه عن «تنسيق مزعوم مع المخابرات الاسرائيلية لحصر السلاح بيد الدولة» بطريقة اضطرت فيه دائرة العلاقات العامة والإعلام في وزارة الدفاع الوطني الى إصدار بيان نفت ما في هذه التسريبات واعتبرتها «محض اختلاق وافتراء، ولم يأت اللواء منسى على ذكر أي تنسيق مع العدو، لا من قريب ولا من بعيد. وإنّ ما قصده بالتنسيق للشروع في تطبيق الآلية، إنما يتمّ حصرًا بين لبنان والدول الأعضاء في اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية (Mechanism)». وانتهى البيان إلى التأكيد بان «الكلام عن تلقي لبنان تعليمات من العدو الإسرائيلي، هو إساءة مقصودة وتحوير لوقائع الحوار المتلفز القصير واجتزاء خبيث يهدف إلى تضليل الرأي العام في المراحل الأولى من تطبيق خطة الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية».
وإلى هذه الملاحظات الدقيقة، توقفت المصادر امام المواقف التي ساوت بين المواقف الأميركية والفرنسية ومن دول مجلس التعاون الخليجي التي رحبت بقرار الحكومة لحصر السلاح بالقوى الشرعية وبين المواقف الايرانية التي «حرضت على القرار» من مستويات عدة، واكتفت بالقول إن الربط جريمة سياسية وديبلوماسية ووطنية، فالمواقف التي صدرت عن حكومات وكبار مسؤولي دول الخماسية الديبلوماسية المكلفة بمعاونة اللبنانيين على تجاوز مجموعة المحن لا تقارن لا في شكلها ولا في مضمونها ولا في غايتها مع مواقف الدولة التي قادت احد اذرعها «حزب الله» ولبنان الى الهلاك ولم تقدم له العون ولم تخض اي مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني، قبل ان يستهدف العشرات من قادتها العسكريين والعلماء النووين ومعهم منشآتها النووية بعد الكهربائية والمائية والمرافق الاقتصادية والصناعية والخدماتية.