بيضون “للشرق” الأهم من التعميم الجدّية في تطبيقه وسبب أزمة الكهرباء بسيط جداً: عجز الدولة وسوء إدارتها

تجارب الماضي لا تبشر بالخير، فهل ينجح التعميم في ضبط مخالفات المولدات ؟

كتبت ريتا شمعون

أصدر رئيس الحكومة نواف سلام تعميما لضبط مخالفات المولدات الخاصة المنتشرة في الأحياء السكنية في لبنان، خصوصا التي تشغّل غالبا من دون الالتزام بالمعايير الفنية والبيئية، وبموجب التعميم كلفت وزارات الطاقة والاقتصاد، الداخلية والعدل والبيئة باتخاذ التدابير اللازمة بما في ذلك حجز المولدات ومصادرتها وإحالة أصحابها الى القضاء.

ومنح التعميم الذي صدر في شهر آب الماضي أصحاب المولدات الخاصة مهلة أقصاها 45 يوما  لتسوية الأوضاع والالتزام الكامل تحت طائلة اتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق المخالفين.

إنه من المؤسف، أن تكرر الدولة محاولاتها لتنظيم قطاع المولدات، هذا القطاع الذي ولد من رحم الأزمة الكهربائية وأصبح واقعا مفروضاً، ليجد  المواطن اللبناني نفسه أسيراً لمالكي المولدات الذين باتوا يلقبون “بأصحاب دولة المولدات” التي تقدم خدمة عامة بقوة الأمر الواقع، وتشكل قطاعا موازيا لكهرباء الدولة من خارج الدولة، لا يسدد رسوما ولا ضرائب ويستوفي من المواطنين إشتراكات ومصاريف صيانة وتركيب معدات دون أي مسوغ قانوني ،مستخدما أعمدة الدولة والبلديات والمساحات العامة ، وعقارات الدولة دون أي رادع من ” الدولة الرسمية” “.

فبدل أن تتحمّل الدولة مسؤولياتها بتأمين التيار الكهربائي 7\24، جاء هذا التعميم يسلّم عمليا بعجز مؤسسة كهرباء لبنان وسوء إدارتها ويتخلّى عن إمكانية حلّ أصل المشكلة مثل صيانة معامل الكهرباء الموجودة أساسا، أو إعادة  بناء البنية التحتية المهترئة لشبكات التوليد والنقل والتوزيع، وامكانية إدارة شركة كهرباء لبنان بشكل سليم ليبادر من ثم الى الدعوة الى إبتكار حلول جذرية مثل معالجة مشكلة الوقود من خلال تأمين إمدادات كافية، بالإضافة الى إستكشاف مصادر طاقة بديلة لتقليل الاعتماد على ” دولة المولدات”.

في هذا الوقت، يسعى أصحاب المولدات الى شرعنة وجودهم، ويطالبون بتنظيم واقعهم، وسط تزايد الحاجة الى خدمتهم، مع تراجع التغذية بكهرباء الدولة، وهذا ما دفعهم الى إعداد مشروع وخطة لتأمين التيار الكهربائي 24\24 ساعة في كل لبنان.ويمدّ تجمع أصحاب المولدات يده الى الدولة ويطالب في مؤتمر صحفي  وزارة الطاقة بتأمين المازوت بأسعار مخفضة ومدروسة، وان تقوم الدولة بشراء الطاقة من المولدات وتوزعها على اللبنانيين بالسعر المناسب.

والحديث عن التعميم ، يقول غسان بيضون مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه ومحلل سياسات الشراكة بين القطاعين والخاص في حديث خاص لجريدة ” الشرق” أن التعميم جاء في محله القانوني الصحيح، غير انه ليس جديدا ، مضيفا: مما لا شكّ فيه أن المولدات الخاصة تسببت وما تزال تتسبب بأضرار بيئية وصحية نتيجة تلويث الهواء بالإنبعاثات المضرة والمؤذية، مشيرا الى ان الحكومات المتعاقبة مسؤولة في التقاعس عن تطبيق قراراتها وتعاميمها في معالجة التلوث البيئي، وإلزام أصحاب المولدات بتركيب الفلترات ورفع دواخينها الى مستويات تجنب المواطنين تنشق دخانها وانبعاثاتها .

والأهم من ذلك، الجدّية في الإلتزام،  أما عن جدوى هذه الفئة من التعاميم والتدابير والمهل والإنذارات يؤكد بيضون، أن تجارب الماضي لا تبشر بالخير فالنتائج تأتي مخيبة للآمال على الأرض، وهذا لا ينطبق فقط على تركيب الفلترات وإنما يتجاوزه الى تركيب العدادات والالتزام بالتسعيرة الرسمية.

وبحسب تقدير بيضون، أن لا مهلة الخمسة وأربعين يوما سوف تنتج حلاً، وإذا نجحت فبحدود ضيقة ، ولن يسفر هذا التدبير عن شيء، إلا عن تدابير آنية سرعان ما ينتهي مفعولها ونعود الى حيث كنّا، وكأن شيئا لم يكن مضيفا: سوف يحاول أصحاب المولدات الى خلق أفكار جديدة تجبر المواطن على تحمل أعباء إضافية يضيفونها  بصيغة أو بأخرى الى فواتيرهم ويقطعون الاشتراك لمن يرفض ولا يلتزم بدفع الفواتير بحلتها الجديدة.

وعن تركيب العدادات يقول، إذا نجح الأمر فضمن نطاق ضيق طالما سلطة الرقابة على نشاط المولدات عاجزة على سبيل المثال  ” مع إنتهاء الدورية من القيام بواجباتها  وما أن تدير ظهرها حتى يعود الوضع الى ما كان عليه. والمشكلة ان اصحاب المولدات يعتبرون أن نسبة الأرباح التي يحققونها بات حقا مكتسبا لن يتخلوا عنه بسهولة.

ولمن لا يصدق يستعرض تجارب الماضي متسائلاً: ما الذي تغيّر، وما هي الأدوات التي توفرت اليوم ولم تكن متوفرة من قبل، هل زاد أعداد المراقبين في مصلحة حماية المستهلك أو توفرت إمكانيات أفضل لدى القضاء لمتابعة تنفيذ المحاضر؟

ويرى بيضون، ان النية الحسنة وصياغة التعاميم والإنذارات بلغة جديدة لا تكفي لإحداث تغيير، فبدلاً من تكرار المحاولات غير الناجحة، كان من الأجدى معالجة أزمة الكهرباء وفق مقاربة جديدة بعيدا عن الخطط القديمة تستند الى إقرار لا مركزية الإنتاج والتوزيع بالإضافة الى تركيز جهود الهيئة الناظمة للكهرباء المعينة مؤخرا على منح تراخيص الإنتاج الى مستثمرين في القطاع الخاص بالتعاون مع البلديات في مختلف المناطق،  وبناء مزارع طاقة شمسية بالتعاون حتى مع أصحاب المولدات أنفسهم في إطار منافسة جدية وفق دفاتر شروط تضمن توفيرها وإلا هذه التعاميم والإنذارات والمهل سوف تكرّس دور وسلطة وهيمنة المولدات وأصحابها على قطاع الكهرباء .

أما بالنسبة الى إمكانية فرض ضرائب على انشطة أصحاب المولدات ، يرى ان هذا الموضوع ليس بحاجة الى نص قانوني جديد، فهو من الأنشطة التجارية والصناعية الخاضعة حكما للضريبة، وقد جرت محاولات سابقة لفرض ضريبة سنوية مقطوعة على اساس قدرة المولدات ولم تطبق.

وعن القول بان اصحاب المولدات ” مافيا” فهو قول صحيح ، وهذا القطاع ليس وحده المرتع الجيد للمافيات ، فهناك مافيات حيث هناك حاجات حيوية وسلع استراتيجية يحتاج اليها المواطن يوميا وطالما ان الدولة ومؤسساتها ووزارات الوصاية الراعية لهذه الأنشطة عاجزة، عن تقديم هذه الخدمات والسلع الى المواطن ، وأوضح مثال على ذلك صهاريج المياه التي يرتبط وجودها بتوفر المياه لديها وهي دليل ساطع على ان الأزمة ليست ناتجة عن عدم توفر المياه وإنما عن سوء إدارتها وحمايتها كمورد طبيعي وعن الفساد السائد في القطاع كما في غيره من القطاعات .

ويختم بيضون، أن سبب أزمة الكهرباء في لبنان بسيط جدا، وهو عجز الدولة وتقصيرها عن توفير الكهرباء للمواطن على مدى عقود، وهو الذي حوّل المواطن المستهلك للطاقة الى رهينة قرارات أصحاب المولدات باعتبارهم جاؤوا لملء الفراغ الذي خلفه عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تحقيق الغاية من وجودها، فتحولت هي أيضا الى اداة استغلال وتعسف تفرض شروطها وتحمل المواطن فواتير باهظة لتضاف خوّة الى خوّة يدفعها المشترك العاجز عن إيجاد البديل وليس امامه  إلا الرضوخ لينعم بالكهرباء.