تحيّة من خبير في الفكر المحافظ إلى “الشّيخ ترامب”!

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

لدى الرئيس دونالد ترامب ميل لا يمكن إنكاره إلى العالم العربي، على الرغم من تبنّيه مبدأ “أميركا أوّلاً”. فهو يحبّ بناء العقارات الفخمة لإبراز قوّته وثروته، وهو واقعيٌّ للغاية بشأن دور النفط وغيره من السلع في السياسة العالمية. وتتمثّل رؤيته في شرق أوسط جديد تحلّ فيه المصلحة محلّ الأيديولوجية، غير أنّ تحقيق السلام في المنطقة سيتطلّب كلّ ما أظهره من مهارة في ريادة الأعمال والحملات السياسية، بالإضافة إلى الكثير من الحظّ.

هذا ما يعتقده دانييل مكارثي الخبير في الفكر المحافظ، فيؤكّد أنّ اتّفاقات أبراهام كانت بمنزلة انتصار للسياسة الخارجية للرئيس في ولايته الأولى، ويعتبر أنّ عودة ترامب إلى الشرق الأوسط كانت لإبرام صفقات جديدة من أجل السلام والربح على حدّ سواء، وأنّه إذا صحّ ما أعلنه في الرياض من أنّ “أرض السلام والأمان والوئام والفرص والابتكار والإنجاز هنا في الشرق الأوسط هي في متناول أيدينا”، فذلك لأنّ نهجه تجاه العالم العربي، على عكس نهج القادة الأميركيين الآخرين، ليس أيديولوجيّاً.

تبرير المشكلة

وفقاً لمكارثي، أثبت الشرق الأوسط منذ فترة طويلة خطأ العلماء الأخلاقي النزعة في السياسة الخارجية الأميركية. فهذه المنطقة تقاوم بعناد التحوّل الديمقراطي والتغيير نحو الليبرالية اللذين من المفترض أن يصاحبا “نهاية التاريخ”، تلك الأسطورة التي يقوم عليها إيمان النخب الغربية.

يكتب: “قبل خمسة وعشرين عاماً، حاول المحافظون الجدد تبرير المشكلة من خلال التذرّع بالتأثير الضارّ لحفنة من “الدول المارقة” التي حالت دون تطوّر المنطقة إلى ما يشبه سويسرا. ولو استطاعت أميركا إحداث تغيير في نظام صدّام حسين وجمهورية إيران الإسلامية، لاستلهم سائر الشرق الأوسط ذلك وتبنّى في ثورة سلميّة المواقف الغربية تجاه المرأة وحقوق الإنسان وإسرائيل”.

بحسب مكارثي: “كانت رؤية المحافظين الجدد هي أيضاً رؤية العديد من الليبراليين والديمقراطيين الوسطيين. كان على يمينهم منشقّون يؤمنون بـ “صراع حضارات” أكثر عنفاً ممّا تصوّره صاموئيل هنتنغتون، أصرّوا على أنّ الإسلام عنيف بطبيعته ولا يتوافق مع أمن الغرب، ولذا دعموا حروب المحافظين الجدد لأسباب خاصّة بهم، وليس لدمقرطة الشرق الأوسط، بل لإخضاعه أو تدميره قدر الإمكان. بينما كان على يسار توافق المحافظين الجدد والليبراليين معارضون هم أشبه بالصورة المعكوسة لليمين الذي يكره الإسلام، إلّا أنّ الحضارة التي اعتبروها خطراً على العالم لم تكن حضارة الإسلام، بل حضارة الغرب. وفي منتصف الطريق بين هؤلاء الأيديولوجيّين “المناهضين للاستعمار” وبين المحافظين الجدد وقف التيّار التقدّمي لباراك أوباما الذي كان يسعى إلى “صفقة” مع إيران. واصلت إدارته استخدام أساليب المحافظين الجدد بنسب أقلّ: أنهى أوباما حرب العراق لكنّه أطال أمد الحرب في أفغانستان. وبدلاً من غزو دول الشرق الأوسط مباشرةً، اكتفى بشنّ غارات بطائرات من دون طيّار. كانت الفلسفة التي تقوم عليها سياسته الخارجية هي استخدام القوّة الأميركية لتحقيق عالم ما بعد أميركا وما بعد الغرب.

بالنسبة لمكارثي لم يُكتب النجاح لأيٍّ من هذه المشاريع الأيديولوجيّة في الشرق الأوسط، ويسأل: أين يضع هذا ترامب؟ هل يستطيع البناء على اتّفاقات أبراهام بينما تستعر الحرب بين إسرائيل و”حماس” ويستعدّ الحوثيون لاستئناف مضايقة سفن الشحن في البحر الأحمر وقتما يشاؤون وليس فقط مقاومة ضغط المحافظين الجدد لشنّ حرب على إيران؟ وهل يمكنه إبرام صفقة لاحتواء طموحات طهران النووية أفضل ممّا استطاع أوباما تحقيقه؟

نتنياهو غير سعيد

يعتقد مكارثي أنّ تلك هي أهداف ترامب، بحسب ما قاله في الرياض. فهو بدلاً من الاستمرار في قصف الحوثيين، أعلن ببساطة النصر وأوقف الهجمات. وأعلن تجاه إيران: “أنا لست هنا اليوم لإدانة الفوضى الماضية لقادة إيران فقط، بل لأقدّم لهم مساراً جديداً وطريقاً أفضل بكثير نحو مستقبل أفضل وأكثر أملاً”. وكان أكثر صراحة من أيّ وقت مضى بشأن حماقة المحافظين الجدد والليبرالية الدولية حين قال إنّ “العجائب البرّاقة في الرياض وأبو ظبي لم تُصنع على يد من يُسمّون “بناة الأمم” أو “المحافظين الجدد” أو “المنظّمات غير الربحية الليبرالية”. مثل أولئك أنفقوا تريليونات دون تطوير كابول وبغداد، والعديد من المدن الأخرى. في النهاية، دمّر من يُسمّون “بناة الأمم” دولاً أكثر بكثير ممّا بنوا، وتدخّل المتدخّلون في مجتمعات معقّدة لم يفهمها هم أنفسهم”.

في رأي مكارثي تتمثّل رؤية ترامب في شرق أوسط جديد تحلّ فيه المصلحة محلّ الأيديولوجية، “يتجاوز فيه جيل جديد من القادة الصراعات القديمة والانقسامات البالية من الماضي، ويصنعون مستقبلاً يُعرّف فيه الشرق الأوسط بالتجارة، لا بالفوضى، فيُصدّر التكنولوجيا، لا الإرهاب، ويقوم الناس من مختلف الأمم والأديان والمذاهب ببناء المدن معاً لا قصف بعضهم بعضاً”.

يعتبر أنّه “يمكن خلف هذا الخطاب الورديّ، رؤية الإطار الذي يدور في ذهن ترامب، وهو متّسقٌ مع نهجه تجاه اتّفاقات أبراهام واستراتيجيته في مجالات أخرى. فهو لا ينوي إلقاء محاضراتٍ على العالم الإسلامي حول الليبرالية أو الديمقراطية، ولن يسمح لعداواته المتوارثة بأن تُعيق أعماله. وهو يعتقد أنّ القادة الشباب في المنطقة، مثل بن سلمان البالغ من العمر 39 عاماً، لديهم العقليّة نفسها”.

يخلص إلى القول: “يُفضّل ترامب القيام بالأعمال بدلاً من خوض الحرب مع طهران. بنيامين نتنياهو غير سعيد بذلك، لكن إذا أراد البقاء في عالم ترامب، فسيتعيّن عليه القيام بالأشياء على طريقة ترامب، أو على الأقلّ هذا ما يأمله ترامب. سيتطلّب تحقيق السلام في الشرق الأوسط كلّ ما أظهره ترامب من مهارة في ريادة الأعمال والحملات السياسية، لكنّه حقّق بداية واعدة في المرّة الأولى، وهو جادّ في استكمال ما بدأه. إذا كانت لديه بعض الجذور الشرق الأوسطيّة، فإنّه يرى إمكان حدوث أشياء عظيمة إذا أصبح القادة العرب أكثر شبهاً بترامب”.

إيمان شمص