جولة السّلاح 2: نقاش ولا قرار بـ “جدول زمنيّ”

بقلم ملاك عقيل

«أساس ميديا»

بين الضغط الأميركي المتزايد، و”النصيحة” الفرنسية، والموقف السعودي الثابت حيال لبنان، تعقد يوم الثلاثاء المقبل الجلسة رقم 2 حول ملفّ السلاح، من دون أن تتّضح حتّى الساعة معالم القرار الذي سيُتّخذ، والذي سيحاول من خلاله أركان الحكم الخروج بصيغة  “حفظ ماء الوجه”، التي توازِن بين “الحصار” الخارجي، وفيتو الداخل، المتمثّل برفض “الحزب” القيام بأيّ خطوة في شأن تسليم سلاحه قبل الانسحاب الإسرائيلي، ووقف الاعتداءات، ومسلسل اغتيال عناصره.

يمكن الاستدلال على “خلاصة” جلسة مجلس الوزراء، يوم الثلاثاء المقبل، من سطور البيان المُلفت الذي أعلنه رئيس الحكومة نوّاف سلام، كاشفاً عن جدول الأعمال الذي يتضمّن “استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقّه المتعلّق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، والذي بدأ النقاش بشأنه في جلسة 17/4/2025، إضافةً إلى البحث في الترتيبات الخاصّة بوقف الأعمال العدائية لشهر تشرين الثاني 2024، والتي تضمّنت ورقة الموفد الأميركي السفير توماس بارّاك أفكاراً بشأن تطبيقها”.

تنسيق رئاسيّ-وزاريّ

تقول مصادر سياسية لـ “أساس” إنّ المهلة الفاصلة عن الجلسة ستشهد مداولات حاسمة في الويك إند، وقد تستمرّ حتّى صباح الثلاثاء، للاتّفاق على الصيغة التي سيخرج بها مجلس الوزراء، سيّما أنّ الجميع يعرف بأنّ الصياغات الإنشائية لم تعد مقبولة دوليّاً وأميركيّاً. الأرجح، وفق التقديرات السياسية ومنحى التفاوض، أن لا يُصدر مجلس الوزراء قراراً يُفنّد مراحل تسليم السلاح، أو يتبنّى السقف المرتفع لرئيس حزب القوّات سمير جعجع بوجوب إصدار قرار بحلّ كلّ التنظيمات المسلّحة العسكرية والأمنيّة في مهلة شهر أو شهرين أو أربعة أشهر، وتكليف الجيش اللبناني بتنفيذ القرار، وتوقيف كلّ مخالف للقرار، وإحالته تباعاً للمحاكمة.

تضيف المصادر: “هناك تنسيق رئاسي كبير في شأن جلسة الثلاثاء التي ستعقد في بعبدا، وفق رغبة رئيس الجمهورية. لكنّ المداولات التي دشّنها رئيس الحكومة، بعد عودته من باريس، بلقاء الرئيسين عون وبرّي، ستشمل بطبيعة الحال القوى الممثّلة في الحكومة لسحب فتيل أيّ مشكل داخليّ، خصوصاً مع “الحزب” والنائب السابق وليد جنبلاط و”القوّات” والكتائب، إضافة إلى احتمال الإحالة إلى المجلس الأعلى للدفاع”.

أمّا في بعبدا، فدعوة إلى التركيز على خطاب رئيس الجمهورية غداً، بعد عودته من الجزائر، في ذكرى عيد الجيش، الذي “سيتكلّم فيه عن ملف السلاح، بوضوح وبالتفصيل، مع سرد لمسار التفاوض”.

صدام وزاريّ؟

في ظل المواقف عالية السقف لأمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم، التي كرّست أمس رفض الحزب تسليم السلاح و”اعتباره شأناً داخلياً”، مع التأكيد على أن “اتفاق وقف إطلاق نار مرتبط حصراً بجنوب الليطاني”، تشير المعلومات إلى وجود خشية رسمية من محاولة “القوّات” حرف الجلسة عن مسارها من خلال الضغط لصدور قرار لن يحظى بموافقة الثنائي الشيعي وقد يؤدّي إلى صدام وزاري، في ظلّ اطمئنان للمقاربة التي سيعتمدها جنبلاط في الجلسة.

بين نيسان وتمّوز

في الواقع عَكَس بيان سلام وجود حرص رسمي على عدم تصوير الحكومة وكأنّها امتثلت لـ “أمر خارجي” بالانعقاد، وذلك من خلال:

  • تأكيد أنّ جلسة الثلاثاء هي استكمال لجلسة 17 نيسان. يومها حضر قائد الجيش العماد رودولف هيكل، وقدّم عرضاً شاملاً لإجراءات الجيش جنوب الليطاني وتسلّمه نحو 500 موقع عائد لـ”الحزب”، مركّزاً على “قيام لبنان بكلّ المطلوب منه في مقابل الخرق الإسرائيلي الفاضح للاتّفاق”. كانت لافتةً في تلك الجلسة إشارة العماد هيكل إلى “تعاون كلّ القوى الموجودة على الأرض مع الجيش”، وأنّ “العائق الوحيد أمام تنفيذ اتّفاق تشرين الثاني هو الاحتلال الإسرائيلي المستمرّ، واعتداءاته التي أوقعت شهداء في صفوف  الجيش أيضاً”، مؤكّداً أنّ “جنوب الليطاني باتت منطقة مقفلة بالكامل لا يمكن ولوجها إلّا عبر حواجز الجيش اللبناني”.

يتوقّع، وفق المعلومات، أن يحضر قائد الجيش الجلسة المقبلة أيضاً، ويُقدّم عرضاً مماثلاً عن الفترة بين نيسان ونهاية تموز.

– في جلسة نيسان كان عمر الحكومة تقريباً نحو شهرين، ومورغان أورتاغوس تطلق تهديداتها، وتوماس بارّاك ليس في الصورة. يومها طالب وزراء “القوات” بإصدار الحكومة قراراً يتضمّن جدولاً زمنيّاً لسحب السلاح، لكنّ رئيس الجمهورية تجاوز المطلب “القوّاتيّ” وانتقل إلى ملفّات أخرى.

– كانت لافتةً إشارة بيان سلام، إلى ورقة توماس بارّاك، لكن باعتبارها تحمل أفكاراً في شأن ترتيبات اتّفاق تشرين الثاني، وليست ورقة منفصلة عنها. هنا يتحدّث مطّلعون عن أنّ جلسة يوم الثلاثاء هي ضمن سياق المقترح المُتّفق عليه بين عون وبرّي الذي قُدّم بنسخته الأخيرة إلى بارّاك، وهو ما يفترض حصول خطوة إسرائيلية في المقابل. لكنّ هؤلاء يجزمون بأنّ الأمر رهن ما سيصدر عن مجلس الوزراء.

بند السّلاح ليس وحيداً

وفق المعلومات، لن يكون ملفّ السلاح بنداً وحيداً في الجلسة، بل سيضمّ جدول الأعمال بنوداً أخرى، على أن يستفيض مجلس الوزراء في النقاش في البنود المعتادة في جلسة الخميس.

إلى ذلك يجزم مطّلعون بأنّ “تغيّب وزراء الثنائي الشيعي، أو وزيرَي “الحزب”، عن الجلسة غير وارد. فلا سياق سياسيّاً في هذه المرحلة لأيّ نوع من المقاطعة الشيعية. هذا ووزراء هذه الحكومة عموماً، وللمرّة الأولى، يدخلون مثلاً قاعة مجلس الوزراء الذي يبحث في التعيينات، من دون أيّ فكرة عن الشخصيّات التي سيتمّ تعيينها. تبدّلت الأحوال كثيراً، ووزيرا “الحزب” جزء من تركيبة لم تعد قادرة على التحكّم بسلاح الميثاقية، أو المقاطعة، أو إدارة اللعبة في الداخل، بما في ذلك حزب القوّات”.

ما معنا خبر شي

تعكس جولات الدردشة على غروب (تجمُّع) الوزراء في تطبيق “واتساب” جزءاً من النقمة “القوّاتية” المتصاعدة ضدّ الحكومة. في إحدى هذه الجولات قال الوزير جو عيسى الخوري: “قولوا لبارّاك الذي يتحدّث دوماً عن دور الحكومة، بأنّنا نحن الوزراء ما معنا خبر شي”.

داخل مجلس الوزراء الوضع ليس أفضل حالاً. فالوتيرة تتصاعد ضدّ رئيس الجمهورية بشكل خاصّ، مع “قدرة استيعاب عالية من جانبه”.

في إحدى الجلسات تحدّث رئيس الجمهورية جوزف عون عن مسار تبادل الملاحظات والأفكار بين الرؤساء الثلاثة والموفد الأميركي بارّاك، و”حين يأتي الردّ الأميركي النهائي على مقترحاتنا، سنعرض الأمر على مجلس الوزراء”، فسارع وزير الخارجية يوسف رجّي إلى القول: “ومن قال لك إنّنا موافقون على مقترحاتكم وملاحظاتكم؟”.

في تلك الجلسة بلغ التوتّر مداه، بشهادة أكثر من وزير، وكاد الرئيس عون أن يرفع الجلسة.  الأخير واظب، بالتنسيق مع الرئيسين سلام ونبيه برّي، على إبقاء المداولات “شغّالة” طوال الأسابيع الماضية بين الأروقة الرئاسية، إلى أن تمّ الاتّفاق على “استكمال النقاش” في جلسة الثلاثاء، ليس إرضاء لسمير جعجع، بل لأنّ الضغط الأميركي ازداد بوتيرة ملحوظة، وعكسته تغريدة بارّاك الأخيرة الواضحة جدّاً، وبناءً على نصيحة فرنسية لسلام بـ “vous devez agir” (عليكم التصرّف)، ولأنّ السعودي أيضاً ينتظر عملاً حكوميّاً متكاملاً حيال السلاح وإلّا فـ”لا استثمارات، ولا إعادة إعمار، ولا عودة إلى لبنان”.

بدا الضغط “القوّاتيّ” واضحاً من خلال استباق الوزير جو عيسى الخوري بيان رئيس الحكومة بإعلانه “عزم وزراء “القوّات” طرح ملف احتكار الدولة للسلاح خلال الجلسة الحكومية المقبلة”، مشيراً إلى أنّ “الإجماع ليس ضروريّاً لاتّخاذ هذا القرار، بل تكفي أكثرية وازنة تدعو المجلس الأعلى للدفاع إلى وضع خطّة زمنية لتسليم السلاح”.

أمس، أصدر “القوّات” بياناً أكّد فيه أنّ “جلسة الحكومة يجب أن لا تكون لشراء الوقت، بل جلسة تاريخية مع اتّخاذها قرار إنهاء السلاح غير الشرعي في فترة وجيزة جدّاً”، وأنّ “ضغط “القوّات”، والضغط الدبلوماسي، والمخاوف الجدّية من أيلول أسود، أدّت إلى وضع ملفّ السلاح على طاولة الحكومة”.

ملاك عقيل