المهندس بسام برغوت
خلق الله تعالى الإنسان وسخّر له ما في السماوات والأرض، وجعل له طريقًا في الحياة يسير عليه ليبلغ بذلك غايته، وهي مرضاة الله والفوز بالجنة. وقد بيَّن الله في كتابه الكريم أن أفضل زاد يتزود به الإنسان في هذه الرحلة الدنيوية هو التقوى، فقال تعالى: “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” [سورة البقرة].
- تعريف التقوى
التقوى في اللغة تعني: الوقاية. ويقال: اتّقى الشيء أي جعل له وقاية من أذاه. أما في الاصطلاح الشرعي فهي: امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، رجاء رحمته وخوفًا من عذابه. وقال بعض العلماء: التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وذلك باتباع أوامره واجتناب معاصيه. وقد سُئل الصحابي الجليل أبي بن كعب عن التقوى، فقال: “هل مشيت يومًا في طريق فيه شوك؟ قال: نعم، قال: فماذا صنعت؟ قال: شمرت واجتهدت أن لا يصيبني شيء. قال: فذلك التقوى.”
- أهمية التقوى في حياة المسلم
التقوى هي أساس الدين وجوهره، وهي أعظم ما يُتقرّب به إلى الله، كما أنها سبب الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة. ويمكن تلخيص أهمية التقوى فيما يلي:
- سبب نيل رضا الله ومحبته: قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ” [سورة التوبة].
- سبب دخول الجنة: قال تعالى: “إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا” [سورة النبأ].
- سبب في تيسير الأمور: قال الله تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [سورة الطلاق].
- نور وهداية: قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا” [سورة الأنفال]. أي: يرزقكم نورًا تفرقون به بين الحق والباطل.
- ثمار التقوى
يجني المتقون ثمارًا عظيمة في الدنيا والآخرة، ومن أبرزها:
- طمأنينة القلب : القلب الذي يعيش مع الله، ويخافه، ويرجوه، هو قلب مطمئن لا تهزّه الأزمات.
- استجابة الدعاء: قال تعالى: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” [سورة الأنبياء].
- النجاة من الكربات: قال تعالى عن يونس عليه السلام: “فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ” [سورة الصافات].
- التقوى زاد الآخرة
الدنيا رحلة قصيرة، وسفر إلى الآخرة، ولا بد لكل مسافر من زاد يتقوّى به في رحلته، وقد دلّنا الله تعالى على خير الزاد، وهو التقوى. فليس المال، ولا الجاه، ولا الشهرة، ولا الذكاء، ولا السلطة، هو الزاد الحقيقي، بل هي التقوى التي تحفظ القلب وتوجه الإنسان إلى الصراط المستقيم. قال أحد الصالحين: “من أراد أن يسافر سفرًا طويلًا فلا ينسَ الزاد، وسفر الآخرة لا يُقطع إلا بالتقوى.”
- كيف نحقق التقوى في حياتنا؟
التقوى ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي سلوك عملي يومي. ويمكن الوصول إليها من خلال:
- النية الصادقة بالتقرب إلى الله وخشيته في كل عمل يقوم به.
- مراقبة الله في كل صغيرة وكبيرة.
- الالتزام بالفرائض: كأداء الصلاة والصيام والزكاة والحج، فهي أول أبواب التقوى.
- اجتناب المعاصي: سواء كانت ظاهرة أو باطنة، كالرياء، والغيبة، والنميمة، والحسد.
- الإكثار من ذكر الله والاستغفار.
- نماذج من المتقين في التاريخ الإسلامي
لقد زخر تاريخ المسلمين بنماذج عظيمة للمتقين، الذين جعلوا خشية الله فوق كل اعتبار، ومنهم:
أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كان شديد الخوف من الله، رغم منزلته.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كان يُعرف بالتقوى والعدل، وكان يقول: “لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن الله سائلي عنها.”
الحسن البصري: كان من أئمة التابعين، يقول: “المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.”
- التقوى في زمن الفتن
في زمن كثر فيه الباطل، وتكاثرت فيه الشهوات، أصبح التمسك بالتقوى تحديًا كبيرًا. ولكن، كلما زادت الفتن، زادت منزلة المتقي. قال رسول الله ﷺ: “يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر.” فالتمسك بالتقوى في مثل هذه الأزمنة هو نجاة للفرد، وهداية للمجتمع، وسعادة للروح.
- التقوى في القرآن الكريم
لقد ورد ذكر التقوى في القرآن الكريم أكثر من مئتي مرة، مما يدل على عظمتها، وأهميتها في حياة الإنسان المؤمن. وقد اقترنت التقوى في الآيات الكريمة بعدة معانٍ ومقامات، منها:
مفتاح الهداية: قال تعالى: “ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ” [سورة البقرة]. أي أن الهداية الحقيقية لا ينالها إلا من اتقى الله وسعى لمرضاته.
شرط لقبول الأعمال: قال تعالى: “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” [سورة المائدة ].
سبيل المغفرة والرحمة: قال تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ… أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” [سورة آل عمران].
ختاماً ،
إن التقوى ليست شعارًا يُرفع، ولا كلمة تُقال، بل هي زادٌ يتزود به العبد في رحلته إلى ربه، وهي التي تضمن له السلامة في الدنيا، والفوز في الآخرة. فمن أراد السعادة، ومن ابتغى النجاة، ومن طمع في الجنة، فليتزوّد بالتقوى. قال الله تعالى: “وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” [سورة القصص]، وقال النبي ﷺ: “اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ…”. فنسأل الله أن يجعلنا من عباده المتقين، وأن يرزقنا زاد التقوى، وأن يختم لنا بخير، إنه سميع قريب.
المهندس بسام برغوت