المهندس بسام برغوت
من أعظم ما يطمئن به قلب المؤمن ويثبت به إيمانه: وعود الله تعالى لعباده المؤمنين الصادقين، فهي ضمان من ربٍّ لا يُخلف الوعد، فهو سبحانه محل الثقة، ومفتاح الرجاء.
ليست وعود الله مجرد عباراتٍ لفظية، بل هي مواقف ثابتة في الكتاب والسنة، تعكس رحمة الله وعدله، وتدعونا للعمل واليقين. ومهما تعرض المؤمن للشدائد، فإن تلك الوعود الإلهية تُذكّره بأن الله معنا، وأنه لا يخلف الميعاد.
في هذه المقالة نستعرض مفهوم وعود الله في القرآن، وأسبابه وشروطه، وتصنيفاته وأمثلة عليه، وأثرها في حياة المؤمن، وكيف يمكن للمؤمن أن يتعامل معها بحيث تتحقق له.
معنى الوعد الإلهي
الوعد في اللغة يعني الإخبار بعطية في المستقبل.
الوعد عند الله هو ما أقسم به أو أخبر به عباده من خير مستقبلي أو تحقيق أمر بشرط أو من غير شرط، من نصر، وفتح، وجنة، ورزق، وتمكين…
من أبرز ما يؤكد أنه وعد لا يُخلفه الله قوله تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ” (سورة فاطر).
في هذا بيانٌ قطعي بأن الله لا يُخلف وعده، فحين يعد عبده بشيء خير فهو ملتزم بتنفيذه، إذا توفرت الشروط التي اشتُرطت في الوعد.
الفرق بين الوعد والإخبار
قد يشتبه على بعض الناس الإخبار عن أمر مستقبلي بكونه وعودًا أو مجرد بشائر. الإخبار هو مجرد إعلام بما سيقع من غير التزام في بعض الحالات، أما الوعد فهو التزام من الله بتحقيق ذلك فيما إذا توفرت الأسباب والشروط أو حتى في بعض الأمور التي لا تُشترط فيها الأسباب الظاهرة.
مع ذلك، لا ينبغي فصل الوعد عن الأسباب والإرادة الإلهية؛ فغالبًا ما يأتي الوعد مقرونًا بشرط أو ربط بالأداء من العبد، أو التصديق به، أو العمل الصالح.
تصنيفات وعود الله في القرآن الكريم:
يمكن تقسيم وعود الله تعالى إلى أكثر من محور بحسب المضمون أو الشرط أو الزمان، ومن هذه التصنيفات:
-1 وعد مشروط بالعمل:
هو ما وعد الله به عباده إذا قاموا بشرط مثل الإيمان والعمل الصالح، أو الطاعة والامتثال، مثال: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض» (سورة النور)، هذا الوعد مقترن بالإيمان والعمل الصالح.
-2 وعد تكويني أو معين بلا شرط ظاهري: وهي العهود التي وعد بها الله في غير مواضع يربطها بشرط محدد، كالوعد بالجزاء يوم القيامة أو الثواب العظيم أو العتق من النار أو الجنة للمؤمنين ,مثال:” أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا” [سورة الفرقان] او قوله تعالى :” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنفُسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا” (سورة فاطر).
-3 وعود بالتمكين والنصر للمجتمع المسلم: كثير من الآيات تشير إلى أن الإسلام سينتصر وسيتمكن، وأن الظلم والباطل لن يدوم إلى الأبد، حتى لو بدا الأمر خلاف ذلك في الظاهر.
ومن ذلك قوله تعالى: “وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” [سورة الروم]
وأمثال وعد النصر وفتح مكة المكرمة.
-4 وعود في الآخرة والجزاء العظيم : مثل جنة للمؤمنين، ونعيم دائم، ورضوان الله، وعتق من النار، أو مغفرة ورفعة ، قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا” (سورة الكهف ).
-5 وعود بالعناية اليومية والرعاية: تشمل الوعد بتوفير الرزق، الاطمئنان على أهل الإيمان، الهداية، والعون في الشدائد، مثال: “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” (سورة الطلاق ) ، او “إِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” (سورة التوبة ).
أمثلة بارزة على وعود الله في القرآن
هنا بعض الأمثلة التي يتأملها المؤمن ليستزيد يقينًا:
- وعد الاستخلاف والتمكين: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ » (سورة النور ).
- في سورة مريم قوله تعالى: ” إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)
يُشير إلى أن وعود الله لا تتحقق إلا إذا كان الإنسان مستقيمًا في طريقه، فلا يُرجى الوعد إذا كان القلب منحرفًا أو العمل مشوبًا بالمعصية.
- وعد الله بعد الضعف والخوف بالأمن والطمأنينة: «وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا»
- وعد الله بأن يُسهل الخروج من الضيق: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (سورة الشرح).
- وعد الله بحفظ مَن يتولاه ويثق به: “وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ” [سورة الطلاق]
ختاماً،
إن وُعود الله تعالى في القرآن الكريم والسنة النبوية هي أنفاس الرحمة التي تغذي روح المؤمن، وهي المنارة التي تهدي الى الخير، وهي الضامن الحقيقي لطمأنينة القلب والثقة بالله مهما تعاقبت الأيام وتبدلت الأحداث. إذا توفرت فيك صفات الإيمان الصادق، والعمل الصالح، والصبر، والأخذ بالأسباب، فكن واثقًا بأن وعد الله لك لن يُخيبك، بل سيأتيك، أو تُحقِّقه أنت بقدر ما أفلحت في الاستعداد له.
المهندس بسام برغوت