حديث الجمعة_ أبعاد السعادة في الإسلام

المهندس بسام برغوت

يسعى الإنسان بطبيعته إلى السعادة، ويجتهد في بلوغها بمختلف الوسائل، فالبعض يراها في المال، وآخرون في السلطة أو الشهرة، لكن الحقيقة أن هذه الأمور لا تحقق له الطمأنينة الدائمة.  قدّم الإسلام تصوراً واضحاً وشاملاً للسعادة، يربطها بالإيمان والعمل الصالح، ويوجه الإنسان نحو السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. وقد أفرد القرآن الكريم مساحة واسعة للحديث عن السعادة، مما يجعل فهمها من هذا المنظور أساساً لحياة متوازنة وهادئة.

تعريف السعادة في الإسلام

السعادة في الإسلام ليست مجرد مشاعر مؤقتة من الفرح أو اللذة، بل هي حالة دائمة من الطمأنينة والرضا والسكينة القلبية. يقول الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [سورة الرعد]، في هذا السياق يؤكد الإسلام أن السعادة الحقيقية تنبع من داخل الإنسان، من قلبه وروحه المتصلة بالله، ولا ترتبط حصرياً بالظروف الخارجية. السعادة ليست ناتجة فقط عن الظروف المادية، بل تنبع من الاتزان النفسي، والقدرة على رؤية النعم، والعيش بسلام داخلي، وهذا ما يعززه الإسلام في أتباعه.

السعادة في القرآن الكريم

  1. السعادة بالإيمان: يربط القرآن الكريم السعادة الحقيقية بالإيمان الصادق بالله تعالى. يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [سورة النحل]. “الحياة الطيبة” هنا تشير إلى السعادة والرضا والطمأنينة التي ينعم بها المؤمن، حتى وسط الأزمات.
  2. السعادة بالعمل الصالح: يرتبط العمل الصالح ارتباطاً وثيقاً بالسعادة في القرآن الكريم، لأن الإنسان حين يعمل الخير يشعر بالرضا الداخلي. فالله يعد الذين يؤمنون ويعملون الصالحات بالفوز والسعادة: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ [سورة الرعد]. وهذا المعنى يحمل دلالة عميقة، فالإيمان ليس مجرد معرفة عقلية، بل هو دافع حقيقي يدفع الإنسان إلى الخير، فيعيش مطمئناً ومتزناً، ويشعر بقيمة وجوده.
  3. السعادة بالرضا والقناعة: من أعظم أسباب السعادة في القرآن، القناعة والرضا بما قسمه الله، حيث يقول سبحانه: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [سورة الحديد]. هذا التوازن في المشاعر، والرضا بحكم الله، يؤدي إلى استقرار نفسي وسعادة داخلية، ويجعل الإنسان قوياً في وجه الأزمات، راضياً في وقت الشدة، متواضعاً في وقت الفرح.

السعادة في السنة النبوية

جاءت السنة النبوية لتؤكد على أن السعادة لا تكمن في المال أو الجاه بل في القرب من الله. قال النبي : “قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه” [رواه مسلم]. فمن يجمع بين الإيمان والقناعة يكون قد نال أعظم أبواب السعادة، لأن قلبه لا يحزن لفوات شيء، وقال أيضًا : “من أصبح منكم آمناً في سِرْبِه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا” [رواه الترمذي]. وفي هذا الحديث نكتشف أن السعادة لا تحتاج إلى ثروات طائلة، بل إلى القناعة والأمن والصحة.

أبعاد السعادة في الإسلام

  1. البعد النفسي: يربي الإسلام النفس على التوازن والاتزان، ويمنحها أدوات للتعامل مع القلق والتوتر من خلال التوكل على الله، والدعاء، والذكر، مما يعزز الصحة النفسية. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الصلاة والتأمل الروحي لهما تأثير كبير في تقليل التوتر والاكتئاب.
  2. البعد الاجتماعي: من أسباب السعادة الاجتماعية في الإسلام الحفاظ على صلة الرحم، وبر الوالدين، والعدل، وحسن الخلق، وعدم الحقد أو الغيبة. فكل هذه القيم تجعل المجتمع أكثر ترابطًا، وتقلل من العداوات، وتزيد من المحبة، وهذا ما يخلق بيئة سعيدة ومتزنة.
  3. البعد الأخلاقي: من أهم مكونات السعادة في الإسلام الصفاء الأخلاقي، كالتواضع، الصدق، الحياء، والوفاء، فهذه الصفات تخلق شعورًا داخليًا بالرضا، وتجعل الإنسان محبوبًا بين الناس، مما يزيد من سعادته.

الفرق بين السعادة الدنيوية والسعادة الأخروية

السعادة الدنيوية: هي مؤقتة وقد تزول بزوال النعم، كالصحة والمال. لكنها ضرورية ويشجع الإسلام على السعي لها بالطرق الحلال. وقد تكون السعادة في بساطة الحياة، لا في تعقيدها، لأن الراحة ليست في كثرة ما نملك، بل في بركة ما نملك.

السعادة الأخروية: هي السعادة الحقيقية والدائمة، وهي هدف المسلم الأسمى. يقول الله تعالى عن أهل الجنة: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [سورة الانفطار]. والجنة هي النعيم المطلق، حيث لا ألم ولا مرض، ولا حزن ولا فراق، وهي الجزاء الأبدي لمن سار على هدي الله في الدنيا.

ختاماً ،

السعادة في الإسلام ليست وهماً أو هدفاً بعيد المنال، بل هي واقع يتحقق بالإيمان واليقين والعمل الصالح. وهي ليست محصورة في الدنيا، بل تمتد إلى الآخرة، حيث الجزاء الأبدي والنعيم المقيم. وكل من سار على هدي القرآن الكريم وسنة النبي ، عاش حياةً طيبة وسعيدة مهما كانت ظروفه. يقول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [سورة البقرة].

المهندس بسام برغوت