“حصريّة السّلاح”.. من يملك التّوقيت: الدّولة أم “الحزب”؟

بقلم محمد قواص

«أساس ميديا»

وفق بيانات لبنانية رسمية، سلّم “الحزب” سلاحه الثقيل جنوب نهر اللبناني أو تولّى الجيش اللبناني السيطرة على مجمل مخازن ذلك السلاح في تلك المنطقة. فوق ذلك يعيد “الحزب” التأكيد بثقة أنّه التزم البروتوكولات الإضافية للقرار الأممي رقم 1701، لجهة إخلاء السلاح من جنوب النهر، حتّى إنّ النائب في “الحزب” علي فياض وجد فذلكة تنفي عن القرار مفاعيله شمال النهر، مجتهداً، بثقة أيضاً، أنّ القرار تحدّث عن مساحة تنفيذ يحدّها النهر شمالاً باتّجاه حدود لبنان جنوباً.

بناء على هذه الوقائع التي لا تنفيها مصادر “اليونيفيل” لجهة أنّ مشكلة السلاح باتت منتهية في جنوب النهر، فإنّ ما تحدّث عنه الرئيس جوزف عون في خطابه لمناسبة عيد الجيش وما طُرح وسيُطرح داخل جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء وغداً الخميس، يتناول عمليّاً وحصريّاً مسألة “حصريّة السلاح” بيد الدولة شمال نهر الليطاني بعد افتراض أنّها تمّت جنوبه. وعلى هذا، سلاح “الحزب” المستهدَف شمال النهر هو ذلك الذي ليس من مهمّاته “المقاومة” بما هي فعل ضدّ العدو جنوب البلاد، ولا يندرج ضمن عنوان “تحرير فلسطين” “المختَرع” أن يُباشر من تخوم تلك الحدود.

لم يعد السلاح الثقيل الذي تختزنه مناطق شمال النهر خطراً استراتيجيّاً على أمن إسرائيل التي ما فتئت تستهدفه وهو في بطون الأرض مستعينةً بما تيسّر لها من اختراقات داخل صفوف “الحزب”، فما بالك إن لاح تحريك له تحت الشمس. والحال فإنّ جهد الدولة لتسلّم السلاح والتمتّع بحصريّته يُفترض أن يشمل كلّ مستويات السلاح وأنواعه، لا سيما ذلك المتوسّط والخفيف الذي سبق أن باشر حرباً أهليّة في الداخل في أيّار 2008 ومناسبات أخرى، واستُخدم في سوريا للدفاع عن نظام الأسد، وما يزال يُخطَّط له أن يُستخدم للتخريب على التحوّل السوري الموجع الذي لن يبقي لـ”الحزب” آمال إعادة الوصل مع الأمّ الحنون في إيران.

السّلاح من دون دور ومسؤوليّة

فقد السلاح مفاعيله العملانيّة التي كان يملكها قبل “حرب الإسناد” التي انتهت إلى فاجعة لـ”الحزب” ولبنان. بالمقابل ما يزال السلاح، على تصدّع قواه، “فكرة” تتمسّك بها قيادة “الحزب” ومسؤولوه ونوّابه وسياسيّوه، وخصوصاً أمينه العامّ الذي يقرأ علينا حرفيّاً بحذافير ما يرد من توجيهات وتوجّهات، الأرجح أنّها مستورَدة المصدر، بالنظر إلى امتلاك طهران لتلك “الفكرة”، ديدن وجود وأحلام تمدّد في ذلك “الهلال” الذي بات خيالاً. فحين يتحرّك ضابط “فيلق القدس” الكبير باتّجاه العراق ناصحاً، حاملاً توجيهات تتعلّق بالسلاح هناك، فإنّ طهران من خلال جدل السلاح في لبنان تلوّح للداخل في إيران كما للخارج المهتمّ بطاولة المفاوضات بأحجام تمتلكها في “بعض” المنطقة تتجاوز الخلاف على نسب تخصيب اليورانيوم ومكانه.

بات “الحزب” على مشارف هضم فكرة أن يكون حزباً من دون سلاح. وباتت بيئة “الحزب” والطائفة برمّتها تتأقلمان بقلق ووجع وكثير من الهواجس مع فكرة العيش كبقيّة البيئات والطوائف من دون سلاح. ولن يكون مفاجئاً أن تُظهر منابر “الحزب” التقليدية حرصاً مفرطاً على الانتماء إلى لبنان والتدثّر بدولته، ما دام الأمر متناسلاً من خيار الشيعة منذ الإمام موسى الصدر. ولئن تطلّ ظواهر نافرة تبشّر بالقبول بمبدأ “حصريّة السلاح” بيد الدولة من قبل مَن أقسم قبل أسابيع فقط على أنّ دون الأمر دماء، فإنّ في الأمر استدارة سيغطّيها “الحزب” بالفتاوى والاجتهادات السهلة الإنتاج.

غير أنّ ما قد يقدّمه “الحزب” كمنَّة وتكرُّم وجب أن يُقابل من قبل الدولة بخطاب حزم وجزم. صحيح أنّ رئيس الجمهورية اختار من موقع قوّة منطق الدولة واحتضان المجتمع الدولي و”خطاب القسم” و”البيان الوزاري” سبيل الحوار ثمّ الحوار مع “الحزب”. وصحيح أنّ “الحزب” استأنس بالكلام مع “بعبدا” مستثقلاً الكلام مع “السراي”، فإنّ على “سلاح الدولة” أن يَظهر ويُطمئن اللبنانيين جميعاً إلى أنّ مرونة الدولة تقوم على مقدرة في قوّة القرار وقوّة في الإمكانات أيضاً.

هي مسألة توقيت

المسألة مسألة توقيت. كان الشيخ نعيم قاسم حين كان نائباً للأمين العامّ لـ”الحزب” يقول إنّ “إسرائيل باتت وراءنا”. حدث ما حدث، ويمكن لأيّ مراقب غرّ أن يستنتج أنّ سلاح “الحزب” بات وراءنا. “الحزب” نفسه يقرّ يوميّاً بذلك حتّى لو قال الأمين العامّ ما يقول. غير أنّ توقيت التسليم بسقوط سلاح الميليشيا من أجل الدولة يجب أن يكون لبنانيّاً خالصاً يقرّره منطق المرونة. نعم، لكن أيضاً منطق الحزم مفقود لا تلاحظه العواصم المعنيّة براهن لبنان ومستقبل خلاصه حتّى الآن.

قد يشتري “الحزب” الوقت. إيران أيضاً تفعل ذلك، تناور بين الأوروبيين والأميركيين مستعينة بظلال باهتة من روسيا والصين. لكنّ مواهب “الحزب” في لعبة شراء الوقت، بما في ذلك التحذير من “5 أيّار” يقود إلى 7 منه، ليست متناسلة فقط من ديناميّات ذاتيّة، بل الأرجح من غياب أيّ رادع يقفل أمام “الحزب” أسواق البيع والشراء. الأمر يحتاج إلى إرادة يريدها اللبنانيون أوّلاً، والعالم أجمع تالياً، من دولة في بيروت تفرض عقارب ساعة تضع توقيتاً دستوريّاً وطنيّاً ينهي إلى غير رجعة استقواء لبنانيّين على اللبنانيّين ودولتهم بالسلاح.

محمد قواص