حين يعلّمكم الكبار

بقلم فوزي عساكر

«رئيس تحرير مجلة العالمية»

وهو على فراش الموت، استدعى مستبدٌّ أحفادَه، وراح يخبرهم عن أخطر التجارب التي منها تعلّم، فجعلتهُ مستبدّاً، يكره نفسه وأعماله، ولا يستطيع أن يستأصلها من حياته، فهي قد سارت في عروقه فأفسدت دمه.

أحفادي الأحبّة…

منذ أن وُلدتُم ولم تسمعوا منّي كلمة «الأحبة»، لأنني لم أعرف كيف أحبّ. كرهتُ نفسي لأنني أشتهي المحبة، ولكنّ مرارةَ الاختبارات في حياتي أفسدتني. وكي لا تصدّقوا كلّ ما يعلّمونكم إيّاه، إستَمِعوا إلى آخر كلماتي قبل الرحيل.

أنا دخلتُ المدرسة، فعلّمني المعلّم مع أحرفي الأولى، «ألاّ أكذب»، ولكنّه كان يكذب أمامنا، فيتمارض كي يغادر الصف ليلتقي معلّمةً زميلةً له في الكرم المجاور للمدرسة.

دخلتُ دار العبادة، فعلّمني رجل الدين «الغفران»، ولكنّه كاد يقتلع عين الكرّام الذي قطف عنقود عنب من كرم الوقف، ليأخذه إلى أطفاله بعد انتهاء دوام العمل، مع أنّ الكرّام تَوسَّلَهُ وقبَّلَ يده وحذاءَهُ ليسامحه، فلم يغفر له، وطرده من العمل.

دخلتُ الخدمة العسكرية، فعلّموني على «الوطنية»، ولكنّ المسؤول عنّي، كان برتبة عالية، فكُنّا نهابه، وإذ به في عتمة الليل، يرتشي لتمرّ قافلة تهريب الممنوعات والأسلحة، وأحيانًا كثيرة على دماء المخلصين الشرفاء الذين يعترضونها.

أخبَروني عن «الإخلاص والمحبة والوفاء في الحياة الزوجية»، فرجعتُ إلى بيتي ذات مساء، ووجدتُ في فراشي زائرًا يُمارس المحبة والوفاء لزوجتي. لم أعترضهُ، فهو لم يسلبني زوجتي، بل هي قد سلّمت نفسها بِملء إرادتها، فعلّمتني أنّ «للإخلاص وجهًا آخر»!

هذه بعضٌ من دروس مدرسة الحياة، التي جعلتني حاقدًا مستبدّاً، غاضبًا على المعلم ورجل الدين ورجل الشرطة والحياة الزوجية… فلا تتعلّموا من الذين يقرأون لكم الدروس، بل من الذين يطبّقونها على أنفسهم أمامكم.

اليوم فهمتُ متأخّرًا، أنّهم جعلوا منّي حاقدًا مستبدّاً ولكن قد خسرتُ نفسي، وأنتم قد تَخسرون أنفسكم حين يعلّمكم الكبار!

فوزي عساكر