كتب عوني الكعكي:
كان لافتاً إصرار القوى السياسية على إعطاء عقد للشركات التي تتعاطى ترويج ألعاب القمار بالرغم من أن ديوان المحاسبة حذّر من هذه الخطوة بل منعها.
ولا شك أن القوى السياسية يعني «جماعة العهد القديم» الذين لم يكفهم ما أخذوه من أموال على حساب الكهرباء وتسبّبوا بالهدر حتى وصل المبلغ الى 65 مليار دولار، بل وجدوا «مزراب» أموال جديد، هو القمار أون لاين… فاتبعوه.
وكان ديوان المحاسبة قد أكد من خلال رأي استشاري أصدره بتاريخ 2023/10/3 ما كنا قد ذكرناه من مخالفة فاضحة وواضحة، برزت من خلال إقدام كازينو لبنان (الذي تأسس عام 1954 وبدأ عمله عام 1959) بقانون خاص على التخلّي عن أهم مبدأ وُضع له وهو أنه النادي صاحب الحق الحصري المعني بألعاب القمار والميسر في لبنان وممنوع عليه فتح أي فرع آخر داخل لبنان وخارجه.
ويبقى التساؤل العجيب الغريب: لماذا ارتكب كازينو لبنان هذه المخالفة الكبيرة باستعمال الانترنت، بهدف لعب القمار عبر شاشات التلفزة وهو ما يسمّى بألعاب الميسر «ON LINE»؟ ولماذا السماح لشركة (ON LINE Support System (O.S.S بالسطو على جزء من حصتي الكازينو ووزارة المال من دون حسيب ولا رقيب؟
ويبقى التساؤل المثير… لماذا أقدمت إدارة الكازينو على هذه الفِعْلة.. ومن كان وراءها؟..
إنّ أصابع الاتهام تشير بشكل سريع الى العهد السابق. لكن ما لجأت إليه مجموعة من عمال الكازينو بتقديم إخبار الى النيابة العامة المالية، أخرج المخالفة الى العلن وبدأ التحقيق.
فقد تسلّم قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور القسم الأول من الملف القضائي المعروف بـBET ARABIA المتعلق بفضيحة كازينو لبنان، وقد أحال القاضي منصور الملف الى قاضي التحقيق في جبل لبنان طارق أبو نصار. هذا الملف الذي تكدّست في صفحاته أدلة على فساد ممنهج يشمل قضايا تبييض أموال، رشى، سرقة أموال المواطنين والدولة اللبنانية. وتورّط مسؤولين سابقين في شركة إدارة الكازينو وشركات الألعاب الالكترونية، وفي طليعتها شركة (O.S.S) المالكة لمنصة المراهنات BET ARABIA. ومن أبرز الأسماء المتداولة في التحقيق داني عبود وجاد غاريوس وهشام عيتاني الذي فرّ الى قبرص.
إضافة الى الرئيس الأسبق لمجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري المحسوب على العهد السابق (التيار الوطني الحر)، والذي يشتبه بتغطيته عقود تشغيل غير قانونية تمكنت عبرها شركة (O.S.S) من تسويق منصة BET ARABIA داخل الأراضي اللبنانية رغم مخالفتها للقانون الذي أنشئ بموجبه كازينو لبنان، هذا القانون الذي منح حصرية لعب القمار والميسر للكازينو فقط.
ومع اتساع دائرة المتورطين في هذه الفضيحة وبلوغ التحقيقات مستويات حسّاسة، ينتظر من جهاز أمن الدولة الذي يشرف أساساً على الملف، أن يعزّز الحماية للقضاة والمحققين وأن يتعامل مع الملف كأولوية وطنية. وعُلم أن جهاز أمن الدولة يستجوب حالياً داني عبود بوصفه شريكاً لرجل الأعمال هشام عيتاني من شركة Inter section holding التي كانت تملك الحصة الكبرى من (O.S.S) قبل بيع الأسهم لرجل الأعمال سركيس سركيس.
وفي معلومات أخرى برزت مخاوف من عرقلة تحقيقات الكازينو بعد إحالة قضاة على هيئة التفتيش القضائي وقيل إن العدد يبلغ 34 قاضياً.
ويتوقف المراقبون أمام قراري وزيري المالية والسياحة يوسف الخليل ووليد نصار تعديل عقد المالية مع كازينو لبنان والسماح للكازينو بإدارة قطاع مُدرٍ لأرباح كبيرة مثل ألعاب الميسر والمراهنات عبر الانترنت، (وهنا المخالفة) علماً أن تنظيمه مرتبط بصلاحيات مديرية اليانصيب وفقاً لمرسوم حكومي صدر عام 2012.
وتؤكد مصادر مطلعة أن التحقيقات الأولية كشفت أن ما وصل الى خزينة الدولة منذ بداية عام 2023 هو 48 مليون دولار فقط بمعدل 1.6 مليون دولار شهرياً، وأنّ شركة (O.S.S) تحصل على ما نسبته 57 من العائدات، في حين أن العقد الموقع بينها وبين الكازينو يمنح الشركة 30 % من العائدات و70 % يتقاسمها مناصفة الكازينو ووزارة المال.
وكان هشام عيتاني قد سافر من لبنان -كما أشرنا- خوفاً من التحقيق معه أو توقيفه بعد أن فتحت النيابة العامة المالية ملف المراهنات وألعاب الميسر ON LINE التابعة لموقع BET ARABIA، وكرّت سبحة التوقيفات، وكان متوقعاً استدعاء عيتاني الى التحقيق، فهو يملك الحصة الأكبر في الشركة المشغلة لموقع BET ARABIA، ويتداول أن أكثر من 60 % من الأرباح تصب في جيبه.
ويتم التداول بمعلومات تفيد بأن عيتاني باع حصته من الشركة المشغلة. في المقابل، مصادر متابعة لملف الكازينو أشارت الى أن عيتاني كلف محاميه متابعة الشق المتعلق بالشركة المشغلة، وهي تتابع ما طُلب منها. علماً بأنه في تاريخ 20 أيلول العام 2022، سجلت شركة في السجل التجاري باسم ONLINE SUPPORT مقرها بدارو يملكها هشام عيتاني. هذه الشركة هي التي قامت لاحقاً بتوقيع العقد مع كازينو لبنان لتشغيل موقع المراهنات اونلاين.
المتابع لملف المراهنات وألعاب الميسر يعلم جيداً أنها شبكة سوداء تحوم حولها شبهات تبييض الأموال، عملت بصورة غير قانونية وبتغطية من أصحاب النفوذ، وستكشف التحقيقات المتتالية أسماء ومسؤولي هذه الفضيحة الكبرى.