الحلقة التاسعة
د. عماد فوزي شُعيبي
لازلنا نتابع في عرض بعض ما جاء في كتابنا (القواعد النفسية للسلطة) المخصص للقادة وكبار المدراء.
هنالك العديد من النصائح النفسية في التعامل مع الآخرين، وخاصة مع المجموع، لأن علم النفس الجمعي مختلف عن علم النفس الفردي والفروق الفردية!
أرضِهم بالتغيير.. فلا حياة بالمُستنقعات:
تحب العامّة من الناس وهم الاكثرية في المجتمع، التغيير ولا ترتاح للمياه الراكدة. فلا تجعلهم يملّونك أو يملّون الرتابة التي تظهر بها إدارتك، فالتغيير يمنح الأمل باستمرار، ويلغي الشعور بالمَوات التدريجي جراء انخفاض الميل إلى الحياة. فرمز الحياة دوماً هو التغيّر. والثابت الوحيد في الحياة هو المُتغيّر. وإذا كان طبيعة المؤسسات أحيانا تقتضي الحفاظ على الأشخاص أين تبديل مواقعهم ضرورة جمعيّة.
***
ليختاروا… ما تُريد للمصلحة العامة
عندما يكون من المصلحة العامّة أن نُمرّر فكرة أو موقفاً صعباً، لندع الآخرين يختارونه بأنفسهم كخيار أمثل لهم، بأن نُظهر أننا مع بدائلهم، ولكننا نخشى أن نؤذي مصالحهم وهنا نترك لهم الخيار! لنتركهم يختارون ما نراه للمصلحة العامة عند التقاطع الأخيرة مع مصالح الأفراد! فالناس تحب أن تختار. إن هذا الإجراء بجعلهم يختارون المصلحة العامة، هو أحد أهم أشكال الذكاء الانفعالي ( emotional intelligence) للقادة.
***
التواضع… قيمة سياسيّة
كلما ارتفعنا درجةً، كلما كان علينا التواضع درجات. فالآخرون يؤخذون بالتواضع.
***
الكلام يبقى … كلاماً
الانتصار بالجدال والسجال يمنحنا شعوراً زائفاً بالنصر.(لا) لدخول السجالات التي بلا معنى فهي تقلل من قيمتنا. لا يجب أن تستفزنا السجالات لإثبات أنفسنا، ولنترك المتساجلين يثرثرون وينهون مافي جعبتهم.
الانتصار بالأفعال هو الأبقى.
***
حذارِ … الانتقام فأنت الأكبر
في حالات الصراع مع خصم، في اللحظة التي تصبح بها قائده لا تنتقم وتتشفى؛ لأنك ستبدو في نظره ونظر من يعرفكما ليس بحجم مكانتك، وستظهر وكأنك لا تستحق ذلك الوثوق وستغدو موضع قلق من الجميع.
***
عاقبه … بصداقتك
إن كانت الفرصة ممكنة لتحويل عدوك أو خصمك إلى صديق، فلا تتردد وابقَ حذراً.
من أكبر الأخطاء إبقاء الوضع بلا صداقة وبعداوة كامنة يمكن أن تتفجّر بأي وقت.
***
النقد العلنيّ… مؤذٍ
لا ينبغي أن ننتقد أحداً غائباً أمام أحد آخر. سيُنقل نقدنا محوّراً ومُزاداً عليه من (عِنْديات) من نقله، ووفقاً لما يضمره ولطبيعة فهمه ودرجة ذكائه، وستخسر من انتقدته. وإن اضطررت لنقد أحد فلُتُبالغ في مدحه، واجعل النقد في سياق المديح، أيّ ليكن النقد في وسط الحديث، حيث سيكون أول الحديث مديحاً وآخره كذلك. فالعقل البشري يركّز على الذاكرة القريبة فيتذكر آخر القول. وهنا يمر النقد بسلاسة.
***
الجمهور شرعيّتك
لنتقن العودة للجمهور في اللحظة التي تتطلب شرعيّة جماعيّة، ولا يجب ان تتأخر بها.
فالجمهور يبقى يقظاً تجاهك، وينتظرك رغم كل انشغالاته، ويشعر أنك تنتمي إليه بقدر ما يؤيدك.
***
حافظ على أسرار أخطائهم…
فالجهلة يتحولون إلى أعداء بمجرد انكشاف سوأة جهلهم.
الإنسان عدو ما يجهل وعدو من يكتشف ضعفَه بكشفِ جهله. فهو يُحب أن يظهر بمظهر الكامل؛ لأن الكامل هو نقيض وجوده الحقيقي (الناقص، والضعيف). لذا، لا تحرج لا الكبار ولا الصغار في إظهار أخطائهم وتبيان جهلهم. فقط بيّن أن هنالك رأياً آخر وأظهره قريباً من أفكارهم الخاطئة والجاهلة.
***
مُعَانٍ… وناجح
ليس صحيحاً أن الناس لا تُحب أن ترى معاناتك بالوصول إلى الهدف. فلتعرض معاناتك (بتواضع)، ولكن بعد أن تكون قد أنجزت مُرادك؛ لأنك ستكون موضع احترامٍ؛ لأنك مُثابر وليس لأنك كسول ومحض محظوظ.
***
الناس ذئاب… إلى أن يثبت العكس
في عُرف (هوبز) الناس ذئاب، فإذا كانوا لطفاء، فهذا يعني أنهم ذئاب مؤجّلون إلى حين تضارب مصالحهم معك. هذا الحكم قاسٍ جداً وقد اعتمده هوبز وميكيافل، وهو قاسٍ على الطيبين، وهم فعلاً موجودون، لكن رجل السلطة لا يعرف إذا كان الطيبيون محض طيبين أم (بارادوكسيون: يجمعون الطيبة والغدر بآنٍ). ومع ذلك احذرهم … ولاتظلمهم، ولا تخسرهم فهم زهور الحياة القاسيّة.
***
أبْعِدْ الخسيس النمرود
أبعد الشخصيّة الخسيسة-النمروديّة التي من النوع الذي يأخذ ولا يعترف بأنها أخذت، كما جهنم (هل امتلأتِ وتقول هل من مزيد). فهذه الشخصية تقوّض كل عطاء يُبذل لها وتُمَحوّر العالم حول ذاتها، وتعتقد أن على الآخرين أن يُقدّموا لها بلا توقف، دون أن يكون لزاماً عليها التقديم المُقابل أو أن تعترف بالجميل، أو حتى أن تُقدّم الثناء أو الشكر؛ بل بالعكس تقوم بالتقليل من قيمة ما يقدّم لها.
***
الفرسان… قيمة!
قرب منك الفرسان والنبلاء، وأبعد عنك الشخصيّة التي تخلو من أيّ فروسيّة أو شهامة، وتلك والتي تعتقد أنها مركز الكون وأن عطاء الآخرين لها واجب عليهم وشرف لهم. فهي عندما يتم التقليل مما يقدّم لها تنقلب إلى عداوة بلا حدود.
أبعدها ولكن أشعرها بالأمان حتى تتجنّب عدائها.
***
الضعفُ… إدارة بمهارةٌ!
عندما نكون في وضع ضعيف لا يجب ان نقاتل ولا يجب أن نستسلم. ولندخر قوتنا للحظةِ الفاعلةِ.
و كذلك لا ينبغي أن نفاوض في لحظة الضعف، فلنُظهر قبولنا بالموجود ولا نتهوّر بالصراعات المجانيّة. ولننتظر حتى يشتدَّ عودنا ونقوى!
عندما نقوى لنُعطِ بالقطّارة، ولكن لا يجب أن نستمر بالعطاء بالقطاّرة طويلاً. هنا يجب أن ندخل المساومات. فنحن سنكون ضعفاء… إلى الجولة المُناسبة لنكون أقوياء. وعندما تأتي تلك الجولة، حاول أن تكون النتيجة: رابح/ رابح(win/win) ،لارابح/خاسر (win/lose).
***
نتغابى!… بحِرَفيّة
القاعدة الشهيرة: لا يجب أن أنسى نصيبي من الغباء، ولا يجب أن أُظهر شدة ذكائي؛ لأنني إن فعلت فسيتعامل الآخرون معي بأعلى درجات الحرص والدهاء. وإن كنتُ مدَّعياً السذاجة والغباء سيتصرفون بأقل دهاء وسينكشفون. كذلك فإن الذكاء الخارق المُعلن، سيزيد من عداءات متوسطي الذكاء وضعافه.
***
أطِعْ الواقع… ولا تستكِنْ
ولنتبع قاعدة: “لكي تطيعَنا الطبيعة يجب أن نطيعها”.
نعم، لنطعْ الواقع الموجود حولنا (الظروف، والبشر)، ولكن لنبُحث في ثغرات الموجود وقوانينه، كي نكون كمن يعرف قانون الجاذبية، فيطيعه كي يطير وفقاً له. أي كن معتدلاً وواقعيّاً وتعامل مع الواقع كما هو وبلا غلوٍ. (وكان بين ذلك … قواماً).
***
في التعامل مع الأحداث: لا للارتفاع بعيداً من الناس والواقع، فلا نرى عندئذ التفاصيل، ولا للغرق في القُرب الشديد الذي يُعمينا عن الواقع الأوسع والأغنى؛ فالبُعد يجعلنا نرى المنظور الأعلى والأشمل والقُرب يرى التفاصيل. كن بعيداً وقريباً!
***
الاختيار … ثم الاختيار فالخيارات… خروج من سجن الخيار(الواحد)
لا تضع البيض كله في سلّة واحدة. واجعل قاعدتك الأمثليّة:
ضرورة الاختيار.
(The Necessity of Choice)
فكلما كانت خياراتك واسعة كنتَ صالحاً لعدة أزمنة.
***
مُخطيء… وفارس
عندما يكتشف الآخرون أخطاءنا لنتمتع بفروسيّة إعلانها علانيّة. فهذا سيُؤكد مدى قربنا من العامّة باعتبارنا نُخطيء مثلما يفعلون، ولنُسعد أنهم يصحِحون لنا. ولكن لا ينبغي أن نُكرّر ذلك.عندئذ فإن الناس سيعتبروننا عاديّين وهذا ليس من السُلطة!
***
العود الأبدي!!!… للمثابرة
كلما فشلنا لتذكّر سيزيف الذي حُكم عليه أن يحمل الكُرَةَ إلى أعلى الجبل، ثم تسقط منه، فيُعاود رفعها من جديد دون تبرّم أو إحباط.
***
لنعاود… ولا نيأس.
منهجك … سرٌّ
لا تكشف عن منهجك الذي تتبعه في معالجة الصعوبات، واجعله سرّاً كبيراً ومُضنيّاً على أعدائك،، لكي لا تُقدّم لأعدائك فرصة النيل منك عبره حين يعرفونه.
***
الذكاء هو الدوران
يُعتبر ذكاء الدجاجة مثالاً على ذلك، فعندما تضع بينها وبين ما تريد حاجزاً لا تقف عنده… بل تدور. الذكاء هو الدوران. وهذا أول شروط الذكاء الانفعالي (الوجداني).
***
لا تواجه الأعلى منك ولا الأدنى في الموقع الوظيفي بما يُخالف توجّهاتهم بفظاظة. في الذكاء الوجداني يمكن اعتماد التالي: قدّم خيارك الأفضل باعتباره جزءاً من توجهاتهم وبيّن أنه خيارهم بجعله (أناً أعلى لهم.) ممكن باستخدام تعبيرات من قبيل: حتماً مقترحكم يتضمن خياراً خفيّاً هو هذا…
***
أنتَ أيقونة… حقيقية
لا يُحبُّ الناسُ التصنّع لكنهم يتحلّقون حول الأيقونات. كُنْ أيقونةً وأسطورةً ولا تُبالغ؛ فأيُّ خطأ صغيرٍ قد نرتكبه ويُكتشف، يُسقط الأساطير بقوة وتتحطم إلى غير ما رجعة.
***
لا تغضب… فهيبتك على المحك
تحكّم بغضبك. فالغضب يذهب بنصف قيمتك ويبديك غير حكيم. ولا تلجأ لإخفائه إلى التقليل من قيمة من سبّبه أو السخرية منه، فقد يرد عليك فتداخلان في دارة معيبة ولا تخرجان منها إلاّ وقد نالك الكثير من قلّة الهيبة. ركّز في غضبك على الأحداث والأفكار وليس على الأشخاص.
حتى غضبك… محسوب
لا تُظهر غضبك، إلاّ عندما تكون واثقاً من الخطوة اللاحقة. واترك أعداءك يغضبون وأنت تحافظ على هدوء أعصابك؛ لتتصيّد أخطاءهم عندما يُخطئون.
د. عماد فوزي شُعيبي