رسائل إلى القادة والسياسيين القواعد النفسية للسلطة

الحلقة العاشرة

د. عماد فوزي شُعيبي

‏نُتابع  نشر أجزاء من كتابنا القواعد النفسية للسلطة وهو الكتاب المخصص لكبار القادة.

الوشايات… ليست معلومات

لا تسمع الوشايات بالآخرين. تحقّق منها من عدة مصادر لا تتقاطع مع بعضها. وعندما تتأكد تمهّل فقد تكون الحقيقة مختلفةً وفي سياق آخر. وتذكّر أن ناقل الوشاية (غالباً) أسوأ من الفاعل. وقبل كل هذا ضع الواشي تحت عين المجهر.

الجاسوس… وضيع

لا أحد يحترم هذا الصنف من البشر بمن فيهم من يتجسّس لمصلحته، فهو يفعل هذا طلباً لمقابل. وأنت مستعد نفسيّاً لتلقي المعلومات منه ولكن يجب الحذر منه، فالمتجسس تعريفاً هو شخص مهيأٌ للبيع لمن سيدفع أكثر.

***

تجنّب التكرار

لا يجب أن نكرّر ما قلناه، لعدّة مرات. الملل سيصيب من يسمعنا. والتكرار لا يعني التشديد على الموضوع بالضرورة. انه يسمى مغالطة التكرار حتى الغثيان!

أيضاً: بدّل شعاراتك… فالناس تملّ

الشعارات الرنانة الطنانة لا يأتلف معها حتى العامة. ستُصبح الشعارات المُكرّرة مُقزّزة باستمراريتها. فلنُبدّلها بشكل شبه دوريّ.

***

الاقتصاد في كلامنا:

 كثرة الكلام توقعنا في أخطاء وتزيد من تصيّد أعدائنا لنا. وكثرة الكلام تقلِّل من المتوقع منّا. وغموض مالا نقول يدعو الآخرين لانتظاره. كذلك كثرة الكلام تكثر مما نوعد به، وقد لا نستطيع الإيفاء به، وقد تسقط مكانتنا، وقد تلُزمنا بما لا طاقة لنا به. والمثال على ذلك: خسرت الدانمارك مطلع القرن العشرين ثلث أراضيها جرّاء تصريح متسرع من وزير خارجيتها بقبول التحكيم الدولي مع النرويج. لذلك يُنصح بتجنّب التصريحات الكثيرة.

***

سُمْعَتُك هي رأس مالك.

 لتُحافظ عليها بكل ما لديك من حنكة وسرّية. وتجنب المواقف التي يمكن أن تؤدي إلى تناولها. وتذكر قول الشاعر ومن لا يتقي الشتم يشتم.

***

تجنّب الشمس المُحرقة

إذا خُيِّرت بين أن تكون في النور أو في الظل، فاختر الظل في أغلب الأحيان؛ لأن الظل يقيك من الاحتراق بالنور الطويل.

وميض من الانتباه… والاختفاء

لا تجذب الانتباه إليك طويلاً. اظهرْ جاذباً الانتباه بشدة لمرة ثم اختفِ، ولكن لا تطل اختفاءك. وراعِ أن لا تجذب الانتباه إليك حيثُ الفضائح والإشاعات والغرائز المفتوحة على الآخر، لأنها ستصيبك بشيء منها.

***

احذر طلب المكانة المُميّزة…

 وأنت لازلت على الطريق

لا تبحث عن المكانة، وأنت تتدرّج نحوها. انتظر حتى تكون بالقوة التي تمنحك إياها. فعلى الطريق سيكثر أعداؤك؛ لأنك سلّطت الضوء عليك، بإعلان طلب المكانة… وأنت لازلتَ غضّاً. وتذكر قول محي الدين بن عربي: المكان الذي لا يؤنّث لا يعول عليه، أي المكان الذي لا تأتيك فيه مكانة لا يجب أن تنتظر منه شيئاً.

***

أنتَ متفوق… إذاً (الزم) الصمت!

لا تُظهر تفوقك، ولا تتباهى به، كي تقلل من أعداءك … وتفتح لنفسك فرصة لتفعيل هذا التفوّق. فالتفوّق يسبّب الكراهية لدى بعض من الناس الذين يعرفون حدود ذكاءهم. فلا شيء يخصي! نفسيّاً محدودي الذكاء مثل التفوّق المُعلن أمامهم، لأنه يذكِّرهم بمحدوديتهم!

***

الغموض… أُسطورة

كنْ غامضاً، فالناس لا تشعر بسطوة الواضح إلاّ إذا كانت شخصيته وعلمَه آسرين. فالغموض يقيم الشخصية الآسرة بمكانةٍ كبيرة وبشكلٍ غير محدود. فالناس تحاول أن تتحلّق حول الغامض؛ لأنها لا تعرف عنه الكثير وتتوقع أن الأساطير تكمن خلفَ ما لا تعرف. ولكن لا تُبالغ بالغموض؛ لأن الناس تكتشف هذا الغموض المُبالغ وتكرهه. كذلك لايجب لخصومك أن تعرف عنك خطواتك القادمة.

 لتمتلك الخيارات المفتوحة.

***

مع الغرائز… صمتٌ و ظلٌّ

عندما تشتد الغرائز العدوانية بالخلافات انشد الصمت والظلّ  كي تكسب نفسك وعقلك، وابتسم في وجوه الجميع. فهؤلاء لا يفكرون ويعتبرون العقل تهديداً لما يرونه (حقيقتهم) المُطلقة. فقط حاول ألاّ تستفزّهم (بنوعيّة) صمتك الذي قد يرونه انحيازاً لطرف آخر يعادونه.  وحذارِ أن تناقش أحداً منهم.

الحيادي… مُتّهمٌ

عندما تندلع الغرائز، فكلُّ موقف حيادي ستعتبره الأطراف المتصارعة موقفاً رمادياً انتهازيّاً، وستتحرّز منه وستؤوله، فلسان حال الغرائزيين (إما معي … أو ضدي) فالعدواني والموتور لا يفكران. كنْ حيادياً بلا استفزاز. ومع ذلك يجب عدم الوقوع في ابتزاز الغرائزيين  بضرورة اتخاذ قرار أو موقف أو جانب طرف معين!  إن الحياد لون. ولكن الغرائزيين لا يرونه.

إن لون الغرائزيين هو: إما الأبيض أو الأسود ولا يعرفون مقولة غوته:” رمادية هي النظرية يا ولدي (بين الأبيض والأسود)، لكنّ شجرة الحياة خضراء”؛ أي أن في الحياة ألواناً أخرى مختلفة.

***

أحببْ… ولكن

يمكنك أن تحبّ من تشاء وأن تصادق من تشاء، ولكن عندما تصل إلى السلطة، تذكرّ أنك لا تمثّل نفسك؛ إنما تُمّثل مصالح الآخرين. وهنا في السلطة: ليس لك أن تُحب أو أن تُصادق، وخارجها صادق وأحبب من تشاء. ولا تتخلَ عن إنسانيتك.

اختباراتٌ… قاسيّة

ثلاثةُ اختبارات قاسيّة لرجل الدولة قد تودي به إذا لم يعرف كيف يتصرف إزاءهم بعقلانيّة:

–         السلطة والنفوذ اللذين يطمح ويطمع  إليهما.

–         والمصالح عندما تتبدّل أو يحدث صراع مرير عليها.

–           والجنس الآخر عندما يقع في حبه أو يتنافس مع آخر عليه.

المشاعر… فخٌّ

مرّة أخرى، وبشكل أوسع، لا مكان للمشاعر (الحب، الكراهية، الحقد، الطيبة…) في العمل السياسي.

فالمشاعر والانفعالات والوجدانيات، تجعلنا لا نرى؛  ذلك أن: عين الرضا عن كل عيب كليلةٌ [عمياء]، ولكن عين السُخط  تبدي المساوئ.

الخشيّة… قبل الحبّ

حاول أن تكون محبوباً، ولكن إذا خُيّرتَ بين الحبّ والخشية، فاختر الأخيرة، فمن يحبك قد ينقلب عليك، أما الخشيّة فتبقى حِرزك وأمانك. الخشية لا تعني الرعب والإرهاب. إنها تجنب الخطأ لشدة الحذر! 

إن العواطف البشرية هامة للغاية، لكن تبدّلاتها سريعة، والبشر ينوسون بين الحب والكراهية بسرعة. وهذا خطير في العمل العام.

التجاذب الوجداني

لا تُبالغ في تقدير من يُحبك في الشأن العام لانه شأن مصالح. فمن يُحب يمكن أن يَكره؛ لأنه يحمل مع الحب كراهيّة ضمنيّة، وهذا ما يُدعى في علم النفس بالتجاذب الوجداني (ambivalence)؛ فنحن نكره من نحبّ لأنه ينتزعنا من ذواتنا!!! ولهذا فإن الركون لمن يحبنا، كمن يُقامر بالشأن العام.

 وعندما يرحل الحب يبقى الكُره.

د. عماد فوزي شُعيبي