رسائل الى القادة السياسيين البراغماتية ليست الانتهازية (قواعد في السياسة) ‏الحلقة الخامسة

د. عماد فوزي شُعيبي

ثالث قوائم العمل السياسي بعد المكيافيلية و الأداتية؛ البراغماتية التي تعتبر أن لاقيمة للنظرية اذا لم تُطبّق على الواقع؛ أي أنها (أي البراغماتية) قد غلّبت الواقع على الأفكار مرة أخرى.

‏هنالك أفكار تبدو برّاقة وأسرة أحياناً للعقل وللوجدان،  ولكن إمكانية تطبيقها على الواقع تكون مستحيلة، لهذا فإن رجل الدولة لا يتعامل معها، لأنه مسؤول عن الواقع وليس عن الأفكار.

‏هنا تقاس جودة التعامل مع مشكلة ما بطريقة معقولة تناسب الظروف الموجودة بالفعل، بدلاً من اتباع نظريات أو أفكار أو قواعد ثابتة.

وقد وُجدت كلمة “براغماتي” في اللغة الإنجليزية منذ القرن السادس عشر، وهي مُستعارة من الفرنسية ومشتقة من اليونانية عبر اللاتينية. الكلمة اليونانية “براغما” ، التي تعني العمل أو الفعل، ومن هنا يأتي المصطلح الذي يعني أن المطلوب هو العمل وليس التفكير المجرد.

‏ولكن بعض الساسة يبالغون في استخدام المصطلح، إلى درجة احتقار الأفكار، لكن البراغماتية لا تحتقر الأفكار، إنما تُصرّ على أن الأفكار يجب أن تخدم الواقع. ولهذا فإن الأفكار المقاربة للواقع هي الأفكار التي تتبنّاها هذه هي النظرية وهذا الأداء السياسي. فالسياسي لا يهتدي بدون النظريات السياسية العميقة.

  ‏إنها إدراكٌ بأن مهمة السياسي الأولى هي الفوز، بينما تتمثل مهمته الثانية في فعل الصواب، إلى الحد الذي يُقنع فيه الشعب بدعمه. إنها إدراكٌ بأن نصف رغيف خيرٌ من لا رغيف على الإطلاق. إنها الاستعداد للتوصل إلى حلٍّ وسطٍ يحصل بموجبه أكبر عددٍ ممكنٍ من الناس على أكبر قدرٍ ممكنٍ مما يريدون. إنها الاستعداد للعمل مع الآخرين على أهدافٍ مشتركة، بغض النظر عن الاختلافات حول أهدافٍ أخرى.

 ‏‏ يقارب السياسي دائماً القضايا من منظور التسوية، حيث يُقدّم البراغماتي بالفعل التسوية، أو يسعى إلى تسوية، لأن التسوية نفسها قد تكون “النتيجة الأفضل”. فالحياة السياسية لا تحتمل قاعدة (إما…أو) أو (رابح/ خاسر) لهذا نكون البراغماتية هي الطريق الأفضل لإنجاز تسوية مفيدة على مستوى الواقع.

هنا يسعى البراغماتي إلى تسوية أن يشعر بأنه ضحى بحقوق بلده. المطلوب هو خدمة الواقع في الزمان والمكان. وليس تحقيق ماهو قصوويّ أو أمثليّ. المهم هو خدمة المصلحة العامة بناءً على الواقع. هنا ينتقل البراغماتي من (إما/ أو) إلى (كلاهما…و)!

‏باختصار أنها المرونة التي تخدم الواقع السياسي دون أن تفرّط بالمصلحة العامة! 

لا تعني البراغماتية غياب الاستراتيجيات، التي ترتبط بمصلحة الدولة العليا. ولا تعني قبول الأمر الواقع كما هو، إنما التعامل معه، ومحاولة تغييره الواقعية.

‏وبكلمة: أنها لا تعني الانتهازية وقبول الموجود للمنفعة فقط.

‏هنا نميز بين المنفعة (benefit) والمصلحة (interesting).

‏تنطلق المنفعة من البعد الذاتي، فمنطلقها الذات ومستقرها الذات الفردية للشخص. هنا تكون الانتهازية، ويكون الفساد السياسي. بينما تشكل المصلحة ما يجمع مع الآخرين، من مصالح تتحقق بها المصلحة العامة بالنتيجة النهائية. 

‏ولهذا ليس من البراغماتية، منفعة الشخص وإصراره على السلطة والمنافع لنفسه فالبراغماتية متصلة بالمصلحة العامة.

‏لا تروق البراغماتية للعامة من الناس، لأنهم يحبون الحسم المطلق، وتحقيق المواقف الأخلاقية والمطلقة، ولهذا يستوجب على السياسي أن يوجد لنفسه طريقة لإقناع الناس بأن ما فعله هو لمصلحتهم، وهذا بحد ذاته تحدٍ يستوجب براعة خاصة، مع مُراعاة قاعدة أن رضا كل الناس غاية لا يمكن الوصول إليها!  وفي اللحظة الفاعلة فإنه يتصرف بناء على المصلحة العامة وليس على الأفكار التي يتداولها العامة! صحيح أنه سوف يخسر في البدايات، ولكن الرهان سيكون على (قضم الوقت وربح الزمن).

فالمطلوب هو إنجاز ما هو نافع للحاضر وللمستقبل!

‏انه يهتبل الفرص ويقرأها في سياقها الذي يفيد المصالح العامة، ولا يتوقف طويلاً عند اعتبارات (ما يجب أن يكون)، لأن القاعدة السياسية هي:(فن الممكن) وهي التي تحكم البراغماتية.

‏لا يقف البراغماتي عند الماضي، لأنه معني بالحاضر وبالمستقبل؛ لأن كل حالة في الواقع هي بنت نفسها، ولكنه يكون عميقاً في التسلح بدروس ما هو استراتيجي.

‏يستخدم البراغماتي الأيديولوجية بقدر ما تفيد في تدعيم الواقع عندما يكون ذلك ممكنًا، بمعنى أنه لا يقاطع عالم الأفكار ولكن يستخدم عند اللزوم؛ لزوم الواقع.

د. عماد فوزي شُعيبي