رسائل الى كبار القادة السياسيين ‏قواعد المفاوضات 4

‏الحلقة 24
د. عماد فوزي شُعيبي
‏نواصل سرد النصائح التي تقدم إلى كبار القادة وكبار الإداريين وذلك بلا اعتماد على كتابنا القواعد النفسية للسلطة في تعديلاته الجديدة.
هنا نتابع قواعد المفاوضات:
قلّل توقعاته… وانبّش في التفاصيل
“إن السر في كل نجاح يكمن في التفاصيل.” – ليو تولستوي
قلّل من توقعات خصمك لتزيد فرصك بالحصول على عرض أفضل، وأشعره بانشغالك عما يعرضه عليك بالدخول في تفاصيل عرضه؛ وبأن تظهر أنك غير مكترث بالعرض؛ بحيث تفكِّك عرضه من خلال التفاصيل.
تقليل توقعات الخصم هو تكتيك يخفّض من سقف مطالبه ويزيد فرصك في الحصول على عرض أفضل. مع ذلك، يجب أن تبدي اهتمامًا كاذبًا بتفاصيل عرضه لتظهر أنك غير مكترث، وهذا يساعد على تفكيك العرض وإظهار نقاط ضعفه. الانشغال بالتفاصيل يشتت الطرف الآخر ويجعله يقلل من طلباته.
أمثلة تفاوضية سياسية:
مفاوضات اتفاقية باريس للمناخ (2015)
الولايات المتحدة والصين استخدما هذا التكتيك حين قللا من توقعات بعضهما البعض حول الالتزامات البيئية، مع التركيز على التفاصيل التنفيذية التي تجعل الاتفاق قابلاً للتطبيق.
مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (Brexit)
الاتحاد الأوروبي قلل من توقعات المملكة المتحدة بشأن التنازلات السياسية، مع تمحيص دقيق في كل بند لتفكيك أي مطالبات متشددة.
مفاوضات إيران النووية (JCPOA)
الأطراف قللت من توقعاتها بشأن الحد الأقصى لبرنامج التخصيب، مع تدقيق عميق في التفاصيل الفنية للتأكد من الالتزام.
أمثلة تفاوضية إدارية من شركات معروفة:
مفاوضات بين Amazon وHachette (2014-2015)
أمازون قللت من توقعات دار النشر حول أسعار الكتب الإلكترونية، وانشغلت بتفاصيل شروط العقد لإضعاف موقفها التفاوضي.
مفاوضات استحواذ Disney على Hulu (2019)
ديزني ركزت على التفاصيل القانونية والتشغيلية لإضعاف توقعات شركائها في الصفقة والحصول على شروط أفضل.
تحليل تطبيقي:
تقليل توقعات الخصم يسمح لك بالضغط على الحدود العليا لمطالبه، خاصة إذا أظهرت نوعًا من اللامبالاة أو التشتت في التفاصيل. التفصيل في البنود يربك الطرف الآخر ويدفعه لإعادة تقييم عروضه، مما يمنحك فرصة للسيطرة على مجريات التفاوض. لكن يجب أن تكون حذرًا في عدم المبالغة حتى لا تثير استياء الطرف الآخر.
***
لا تفاوض… بالشخصنّة
“لا تأخذ الأمور بشكل شخصي، فليس كل ما يحدث بسببك او يمسّك.” دون ميغيل روي
تجنب الصراعات الشخصيّة التي تأخذ جانباً ذاتياً؛ فهي لن تسمح لك ولا للآخر بتقديم أي شيء، لأن الأمر سيغدو متصلاً بالشخص، وهذا لا يتم التفاوض عليه ومعه.
وهنا لا ترتبط انفعاليّاً بموضوع مفاوضاتك، أي لا تحب ولا تكره، فأنت ستتنازل وستُعطي وستأخذ.
تجنب الدخول في صراعات شخصية أثناء التفاوض؛ لأن النزاعات التي تأخذ طابعًا شخصيًا تحرف تركيز الطرفين عن الموضوع الأساسي وتعرقل التوصل إلى حلول. عليك أن تبقى موضوعيًا، لا تربط انفعالاتك بموضوع المفاوضات، فلا تحب أو تكره، بل تعامل مع الموضوع فقط.
أمثلة تفاوضية سياسية:
مفاوضات السلام في شمال إيرلندا (اتفاق الجمعة العظيمة 1998)
الأطراف المتنازعة حذرت من أن تصعيد الخلافات الشخصية يمكن أن يفسد العملية، فكان التركيز على المصالح المشتركة.
مفاوضات إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
نلسون مانديلا وفريدريك ويليام دي كليرك عملوا على فصل الخلافات الشخصية عن الحوار السياسي لتحقيق الانتقال السلمي.
أمثلة تفاوضية إدارية من شركات معروفة:
مفاوضات بين Apple وSamsung حول براءات الاختراع
رغم الخلافات الحادة، حاول الطرفان تجنب الشخصنة في جلسات التحكيم والتركيز على الجوانب القانونية فقط.
مفاوضات فشل صفقة الاستحواذ بين Microsoft وYahoo (2008)
تم الحفاظ على المهنية في النقاشات، وتجنب الانفعالات الشخصية رغم الإحباطات.
تحليل تطبيقي:
الشخصنة في التفاوض تفتح أبواب النزاعات والانفعالات التي تعيق الحلول العملية. التفاوض يحتاج إلى عقل بارد وتركيز على الهدف، وهذا يتطلب فصل الموضوع عن الشخص. الشخصنة تزيد من تعقيد المشكلات وتقلل من فرص التفاهم.
***
المتطرفون… خارجاً
“المتعصب لا يسمع إلا صدى صوته، ولا يرى إلا ظل فكرته.” – جون ستيوارت ميل
في حال وجود شخصيات متطرفة تسبب صداماً بين المتفاوضين، فقد يكون الحل الوحيد هو تغيير أحدهما أو كليهما، وليكن هذا آخر الدواء لأن التغيير قد يطيل المفاوضات. وهي أسوأ أنواع المفاوضات.وذلك لحاجة المفاوضين الجدد لمراجعة ما فاتهم. وإذا كان لا بد من استبدال أحد الأطراف، فليكن بالتوافق على أن يكون ذلك من الطرفين وباقتراح من وسيط، وإلا سيظهر ذلك ضعفاً لديك.
و هذا ينبغي أن يتم بحذر، وبمقترح من وسيط، حتى لا يُفسّر على أنه ضعف منك. تغيير المفاوضين ينبغي أن يكون آخر الحلول لأنه قد يطيل المفاوضات.
أمثلة تفاوضية سياسية:
مفاوضات أوسلو السرية (1993)
تم استبعاد بعض الشخصيات المتشددة من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لضمان تقدم التفاوض بعيداً عن التشدد الإيديولوجي والعقائدي.
اتفاق دايتون للسلام في البوسنة (1995)
في لحظة ما، أُبعِد المتشددون الصرب من المفاوضات بناءً على توصية أمريكية، بعد أن تبين أن تعنّتهم يعطّل كل تقدم ممكن.
المحادثات النووية مع إيران (2015)
عندما تعرقلت المفاوضات بسبب مواقف متشددة في بعض جلسات فيينا، تدخّل الوسطاء الأوروبيون للطلب من طهران وواشنطن إرسال وفود أقل تصعيداً وأكثر براغماتية، وهو ما أدى لاحقًا لاتفاق.
أمثلة تفاوضية إدارية من شركات معروفة:
تفاوض Google مع الحكومة الأسترالية (2021)
حين احتدت المواقف الإعلامية، وأخذ بعض ممثلي Google موقفًا عدائيًا صريحًا، تم استبدالهم بمفاوضين أكثر هدوءًا لإعادة بناء الجسور.
صفقة اندماج Sprint وT-Mobile (2018)
واجهت المفاوضات عراقيل من شخصيات متشددة في الفريق القانوني لكلا الشركتين. بعد استبعادهم وتدخل وسطاء ماليين محايدين، تحقق التقدم المطلوب.
تحليل تطبيقي:
التطرف يقود المفاوضات نحو الجمود، أو التصعيد. ولذلك لا تتردد في إخراج من يُفجّر طاولة التفاوض بمواقفه. لكن لا تفعلها مباشرة. دَع طرفًا ثالثًا، أو آلية مؤسسية، تطلب ذلك. الاستبدال قد يُعيد التوازن، ويمنح الطرف الآخر فرصة لحفظ ماء الوجه وتقديم التنازلات لاحقًا
د. عماد فوزي شُعيبي