روسيا والدولار

بقلم مروان اسكندر

تدور حرب منذ سنتين ما بين القوات الروسية والقوات الاوكرانية وقد سجلت روسيا تقدم ملحوظ خلال الشهرين المنصرمين والرئيس الاميركي اقترح على الكونغرس تخصيص 60 مليار دولار اضافية لاوكرانيا، وهو يلح على الدول الاوروبية تامين زيادة ملحوظة في برامج دعم اوكرانيا، وزيادة العقوبات الاقتصادية على روسيا. والرئيس الاوكراني الذي كان اصلاً يعمل في حقل التلفزيون بدأ ينذر الدول التي ناصرته بان اوكرانيا ستخسر الحرب اذا لم تزيد دول السوق الاوروبية الدعم لاوكرانيا.

في الوقت ذاته تجري حرب شعواء على فلسطينيي غزة وكانت حركة حماس شنت هجومًا كاسحًا على الجيش الاسرائيلي بتاريخ 7 تشرين الاول وهاجم الجيش الاسرائيلي غزة بكل وسائل توسيع الاضرار البشرية والمادية ولم يستطيعوا ربح الحرب كما يأملون في القريب العاجل وقد خسر الفلسطينيون 35 الف قتيلاً غالبيتهم من النساء والاطفال وتدمرت ابنية غزة ومستشفياتها، ومدارسها وابنية السكن والمتاجر والطرقات بنسبة 80-85 في المئة وتجرى مباحثات لايقاف الحرب لكن نتائج جهود الامم المتحدة، والاتحاد الاوروبي لم تحقق النتيجة المرجوة حتى تاريخه.

المساعدات لاوكرانيا تجاوزت المستوى المطلوب ونصف سكانها غادروا البلد، علمًا بان %40 من سكانها قبل انطلاق الحرب كانوا من اصل روسي ومحطة انتاج الكهرباء لحاجات البلد كانت تنتج من تفاعل نووي انجزته روسيا منذ عشرات السنين. واهل رئيس اوكرانيا بعد ان حصلوا على المال المطلوب ابتاعوا فيلا في جنوب فرنسا للابتعاد عن هموم الحرب خلال الصيف المقبل. مطالبات ايقاف الحرب في اوكرانيا تجاوزت روسيا التي شاءت الولايات المتحدة معاقبتها على اطلاق الحرب، علمًا بان شرق امتداد اوكرانيا يواجه غرب روسيا عن قرب وان القرم الذي يشكل نصف جزيرة يمتد نحو الشاطئ الغربي لروسيا وهو موقع اهم قطع الاسطول الحربي الروسي. وكانت القرم تشكل جزءًا من اوكرانيا تخلى عنه خروتشيف لاوكرانيا عام 1954.

استنادًا الى هذه المعطيات وطلبات روسيا المتعددة بعد تجهيز شرق اوكرانيا بالصواريخ البعيدة المدى لم يبد العالم اهتمامًا بسماع بوتين يردد هذا الطلب خلال انعقاد مؤتمر سنوي في المانيا لبحث شؤون السلام عالميًا.

اليوم الولايات المتحدة تفرض عقوبات على روسيا وتؤمن قروض بالمليارات لاوكرانيا واسرائيل، والسوق الاوروبية تؤمن مساعدات، اعتبر رئيس اوكرانيا انها تتوافر ببطء مضر بقدراتها والولايات المتحدة حتى اقترحت فرض مصادرة الاموال الروسية المودعة من قبل حكومتها في المصارف الغربية، وهكذا خطوة اذا تعممت تؤدي الى انهيار النظام المالي العالمي.

لقد استلمت كتابًا عنوانه بالفرنسية “سقوط النظام المالي العالمي في جهنم” وكاتب الكتاب اسمه Georges Ugeux وهو تولج نيابة رئاسة سوق نيويورك للاسهم والعملات لمدة سبع سنوات ومن ثم انشأ شركة للمشورة المالية اسمها Galilio Global Advisors ويعتبر في كتابه الصادر في آذار من عام 2019 ان النظام المالي العالمي لا يحفظ حقوق المودعين وان استمرار النظام يعود الى انتفاخ الاحتياطيات النقدية بصورة تلقائية نتيجة اجراءات مؤقتة تؤدي الى زيادة المديونية.

لقد تكرم الكاتب بإرسال نسخة من كتابه لجانبي بالكلمات التالية: “الى مروان، ان جميع البنوك العالمية مشاركة في مشاريع استمرار النظام القائم الذي مهمته تضخيم ارقام الاحتياطيات مع تخفيض قيمتها الحقيقية والعملية تشمل ايضًا البنوك المركزية”.

في مناخ التكاذب حول كفاية الاحتياطيات وغالبها بالدولار سواء لدى البنوك الدولية او المصارف المركزية نتيجة المعالجات التي اقرت بعد انهيار بنك ليمان الاميركي الذي ادى رغم خسارة ضئيلة نسبيًا اي 640 مليار دولار الى ازمة مالية دولية وانخراط البنوك المركزية في انقاذ مؤسسات صناعية ومصرفية وصحية الخ في تامين القروض الميسرة وقد نبهت رئيسة البنك المركزي الاوروبي والتي كانت رئيسة لصندوق النقد الدولي الى مخاطر عملية ضخ التمويل غير المكلف للبنوك والزبائن الكبار وعلى سبيل المثال تشير ان انقاذ الشركة الاميركية للتامين المملوكة من مجموعات اميركية وان كانت مسجلة في برمودا كلف 170 مليار دولار لمنع انهيارها، وبالمناسبة تقول ان انجاز هذا التسهيل لاستمرار عمل شركة التامين هذه يفيد عن استمرار ضمانات الشركة المعنية لالاف المضمونين في لبنان ومنطقة الشرق الاوسط.

تامين الدعم لانقاذ النظام المالي العالمي منع انتشار افلاسات شركات التامين، وشركات تامين الاستقراض لقاء فوائد ميسرة وقد اصبحت ديون الولايات المتحدة وحدها 36 تريليون دولار وحسب مؤلف الكتاب الخبير في موضوعات سوق نيويورك سينهار سعر صرف الدولار في السنوات القليلة المقبلة، خاصة وان العجز السنوي في الميزانية الاميركية يبلغ 2 تريليون دولار سنويًا ولا امكانية كما يبدو لاحتوائه في المدى المنظور لا بل هو على تصاعد.

فالدين العام الاميركي وحده اصبح متجاوزًا لقيمة الدين العام الذي كان موقوفًا للترصيد عام 2008 ولا شك ان هذه الوضعة التي تجعل الدين العام الاميركي قياسًا على حجم الانتاج على مستوى %135 اي ما يتجاوز حاليًا الدين العام اللبناني. وهذه النسبة تعد خطيرة جدًا ومؤشر لانهيار النظام المالي للبلدان التي تفوق نسبة دينها معدل ال %100 من الناتج المحلي.

بالمقابل روسيا عززت احتياطاتها رغم ان لها سندات بقيمة 200 مليار دولار مودعة لدى شركتين اميركيتين تختصان بتامين التمويل لشراء الشقق من قبل اصحاب الدخل المتوسط، كما ان روسيا توصلت الى اتفاق حول تسعير صادراتها من الغاز للصين بالعملة الصينية. وكانت الصين اعلنت منذ سنتين ان دول الشرق الاوسط لها تسديد ثمن مستورداتها من الصين بالعملة الصينية. ويجب الاشارة الى ان كتلة بلدان روسيا، الصين، الهند، جنوب افريقيا واستراليا الذين اتفقوا على خطوات اصلاح النظام المالي العالمي المعرض للافلاس الامر الذي يعني تبخر قيمة الدولار، فالبلدان الخمسة المشار اليها تحتوي على %50 من ثروات الذهب القابلة للانتاج والمتركزة في جنوب افريقيا وروسيا ومساحات البلدان المعنية تشكل نسبة %35 من مساحة الارض عالميًا، وعدد سكانها يوازي %45 من البشرية. فسكان الهند والصين يبلغ عددهم 3 مليارات تقريبًا.

بين هذه الدول الخمسة روسيا الاغنى قياسًا على ثروتها من الغاز والتي كانت تسمح بإمدادات لاوروبا توازي نسبة 50% من حاجاتها المتزايدة مع توجهها الى انتاج الكهرباء من معامل تستعمل الغاز الطبيعي، كما ان جنوب افريقيا تسيطر على اكثر من %50 من ثروات الذهب التي تحتويها جنوب افريقيا مقابل بقية العالم.

تواجه الولايات المتحدة ازمة شديدة تتمثل بعدم القدرة على زيادة حجم الكتلة بالدولار عالميًا. فحسب توقعات الكتاب المشار اليه لن تستطيع الولايات المتحدة خدمة الدين العام الذي ترزح تحت حجمه واكلافه. وروسيا حتى لو خسرت جزءًا من احتياطها

النقدي بالدولار تستطيع التعويض عن ذلك بزيادة حجم صادراتها من الغاز، فالقرارات الدولية التي توجه نحو اعتماد الغاز بدل المنتجات النفطية في انتاج الكهرباء واضحة. وربما اذا توسعت المخاوف من الدولار يستعيد العالم فكرة الاعتماد على الذهب للاحتياطي وحتى لتسديد اكلاف المستوردات العالمية، وكان النظام المالي العالمي قبل الحرب العالمية الاولى يستند الى الذهب.

روسيا عام 2000 حينما تولج بوتين قيادتها بعد يلتسن الذي دفع روسيا نحو ازمة اقتصادية ومالية عبر تصرف ابنته بموجودات الدولة من شركات النفط، واحتياطي الذهب ومختلف الصناعات، وعجزت روسيا عام 1992 عن تسديد 40 مليار دولار دين عالمي، استعادت بعد 8 سنوات من حكم بوتين رفع احتياطاتها الى 700 مليار دولار واستعادت مستوى الدخل الفردي وبدأت انجاز وسائل نقل النفط والغاز ولم تعد مهددة بالإفلاس كما يسعى الاميركيون الى مواجهتها بالإفلاس. والواقع ان الولايات المتحدة ستعجز بعد 3 سنوات عن تسديد ديونها الخارجية ولن تستطيع تمديد سياسات توفير الاقراض لقاء فوائد تسهيلية لا تفرض على المقترض – دولة او شركة، او رجل اعمال – تحمل فوائد تتجاوز ال %3. العالم لا يحتمل ازمة مالية كالتي توسعت بعد افلاسات عام 2008 نتيجة ازمة بنك ليمان في الولايات المتحدة.

مروان اسكندر

التعليقات (0)
إضافة تعليق