بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
لكثير من الأسباب، ومن منطلقات متباينة، تتعاطى بعض القوى السياسية الأساسيّة مع حكومة نوّاف سلام وكأنّ العدّ العكسي لرحيلها قد بدأ فعلاً. أكثر من ذلك، تُسمع في هذه الأروقة تأكيدات أنّه بعدما تتحوّل حكومة سلام إلى حكومة تصريف أعمال لن يُعاد “التمديد” له في السراي.
لمّح رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع في أحد تصريحاته الإعلامية إلى أنّ مواقف رئيس الحكومة من مسألة السلاح “أكثر وضوحاً” من مواقف رئيس الجمهورية، مع توجيه “تهنئة لنوّاف سلام لأنّ المرحلة بدها مواقف واضحة. ففريق الممانعة “جِئم وجلِق”، ولازم تحطّي على عينه”! رأى جعجع أيضاً أنّ “رئيس الجمهورية لو من البداية قال لـ”الحزب” “اللعبة انتهت”، وسألهم لوين بدكن تبعتوا سلاحكم، كنّا وصلنا لنتيجة. المُهمّ نحن سنسلّم مع رئيس الجمهورية بأن السقف الأعلى لتسليم سلاح “الحزب” هو نهاية العام، كما صرّح شخصيّاً”.
جعجع الذي يتمثّل داخل الحكومة بأربعة وزراء يحمّل، بشكل مبطّن، سياسة التروّي من قبل الرئاسة الأولى مسؤوليّة “جمود العهد الذي انطلق منذ خمسة أشهر. والدليل، يعطي العافية الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، أنّه الوحيد الذي زار لبنان طوال هذه المدّة”.
فعليّاً، قد يكون “القوّات” الفريق الوحيد داخل الحكومة، الذي يضغط باستمرار من أجل طرح الحكومة تسليم السلاح بنداً وحيداً على جلسة مجلس الوزراء في أقرب وقت، بخلاف مقاربة باقي الوزراء، وهو مطلب يتوافق فيه “القوّات” مع رئيس الحكومة الذي يرى أنّ الأمر يحتاج إلى خطوات تنفيذية، وما يصحّ في موضوع السلاح الفلسطيني، يصحّ أيضاً حيال سلاح “الحزب”.
يعكس وزير الخارجية يوسف رجّي الصوت الأكثر تقدّماً في موضوع السلاح داخل الحكومة وخارجها. وأمس أعادت نائبة “القوّات” ستريدا جعجع تصويب بوصلته بعد “الهجوم” على الوزير، كما قالت، “إذ إنّ الجميع يُدرك أنّ مواقف الوزير ليست من عنديّاته، وإنّما نتاج نقاش وبالتنسيق مع رئاستَي الجمهوريّة والحكومة”.
مسار بطيء
فيما كان وفد “الحزب”، برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، يستعدّ للقاء رئيس الحكومة بعد زيارة مماثلة لرئيس الجمهورية، كرّرت جعجع موقف “القوّات” بأنّ “المسار بطيء، وسيُفقد لبنان الزخم الدولي والعربي بعد انتخاب الرئيس عون وتسمية الرئيس سلام وتكليف الحكومة، وعندها لن ينفع الندم، والحلّ الوحيد هو التطبيق الفوري للقرارات الدولية”.
في هذا السياق، لم يتلقَّ حزب “القوّات” بإيجابية تعيين رئيسِ الجمهورية وزيرَ “الحزب” السابق علي حميّة مستشاراً له لشؤون إعادة الإعمار، “إذ ننتظر خطوات عمليّة لتسليم السلاح، وليس تسليم وزير من “الحزب” ملفّ إعادة الإعمار”. مع العلم أنّها المرّة الأولى التي يقوم فيها رئيس جمهوريّة بتعيين مستشار له محسوب بالكامل على “الحزب”.
فعليّاً، سيكون هناك سباق الـ 11 شهراً، حتّى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، بين عمر الحكومة الافتراضي وتسليم السلاح. حتّى الآن تبدو مقاربة رئاسة الجمهورية لموضوع السلاح وإعادة الإعمار أكثر صلابة من مُستعجلي إقفال ملفّ “الحزب” نهائيّاً مع سلاحه، وسط تفهّم دوليّ، أميركيّ تحديداً، لآليّة التدرّج في المواقف التي ينتهجها الرئيس عون بعدما وضع خطّاً أحمر عنوانه: قرار تسليم السلاح اتُّخذ فعلاً.
“صيانة” وتمرير مرحلة
في هذا السياق، لا أحد يتوقّع أن يتكفّل لقاء السراي بين سلام ووفد “الحزب” بإزالة التصدّعات في العلاقة بين الطرفين، التي قد تتوسّع أكثر بفعل عامل الوقت القصير الفاصل عن رغبة رئيس الحكومة بتسجيل “إنجاز” في موضوع السلاح، قبل استحقاق الصيف المقبل. وإن تحدّث البعض عن صدمة أحدثتها الحكومة، فهي سلبيّة وتجلّت بالزيادة على سعر صفيحة البنزين والمازوت لتمويل المنح للعسكريّين، في استنساخ لسياسات الحكومات السابقة.
لمّح مقرّبون من عين التينة إلى استياء من “منطق” رئيس الحكومة بالتصريح من عين التينة، بعد لقائه برّي، الذي بدا ردّاً مباشراً على الأخير حيال مسألة التبريد والتسخين في المواقف، متوقّعين أن تبقى العلاقة مع رئيس الحكومة ضمن سياق السقف المقبول “لتمرير المرحلة”.
من يَسمع رأي الرئيس نبيه برّي في أداء رئيس الجمهورية في الملفّات الكبرى، وعلى رأسها خطابه المتوازن في موضوع السلاح وآليّة التعاطي مع “الحزب”، وحرص عون على أن لا “يزعّل الرئيس برّي”، يُدرك متانة الغطاء الداخلي من قبل الثنائي الشيعي للرئاسة الأولى، في مقابل توجّس من أداء رئيس الحكومة.
أكثر من ذلك، تقول أوساط قريبة من “الحزب” لـ”أساس”: “نحن شركاء في إنجاح العهد، ولن نكون في المقلب المضادّ، خصوصاً أنّنا نتحدّث عن ولاية رئاسية كاملة من ستّ سنوات. ويكفي القول إنّ نوّاب “الحزب” لم يسمّوا سلام لرئاسة الحكومة، لكي تتبيّن المسافة الفاصلة مع نوّاف سلام، لكن مع حرص كبير على تجنّب أيّ احتكاكات، والدليل المسارعة إلى تلقّف رسالة سلام من عين التينة، التي خيطت بوساطة واضحة من قبل رئيس مجلس النوّاب، مع وجود قرار لدى قيادة “الحزب” بالصيانة المستمرّة للعلاقة مع سلام حتّى تحوُّل حكومته إلى حكومة تصريف أعمال”.
ملاك عقيل