ستون يوماً: الإصلاحات أو العقوبات

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

ليس الغزل العلني سوى دبلوماسية معهودة، وقليل مما تبقى من أمل بأن يقوم لبنان في الشهرين المقبلين بما كان يفترض أن يقوم به أو يبدأ به منذ بداية عهد الرئيس جوزف عون. في زيارة الوفد الأميركي الرفيع المستوى، الذي يرأسه سيباستيان غوركا، وهو المسؤول عن ملف مكافحة الارهاب في البيت الأبيض، رسالة حاسمة ومهلة واضحة: حصر السلاح وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في الستين يوماً المقبلة، وإلّا فإن لبنان سيُترك لمصيره.

من هو الوفد الأميركي؟

وزارة الخزانة الأميركية سبق أن حضّرت لملفات كثيرة متعلقة بالوضع المالي للبنان، من ضمنها عقوبات على شخصيات متهمة بتسهيل تهريب الأموال إلى “الحزب”. جاء الوفد يتقدمه سيباستيان غوركا ورودولف عطالله، المسؤول والمساعد الأول عن مكافحة الارهاب، للحديث بالتفصيل، وبدقة عن الخطوات المطلوبة، بدءاً من الرئاسة الأولى والثالثة، وصولاً إلى وزارة المال، الوصية على التفاوض مع صندوق النقد، ووزارة الداخلية المسؤولة عن ضبط الأمن في المرافق العامة، وزارة العدل، وحاكمية مصرف لبنان المسؤولة مع الدولة عن إدارة السياسة النقدية.

منذ أيام فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أفراد بتهمة تهريب الأموال لصالح “الحزب”. في معلومات “أساس” أنّ الوفد بمختلف مسؤولياته، يضع أمامه على الطاولة كل مزاريب تهريب الأموال، من شركات صيرفة، وتعاملات تمّ تشريعها في الأعوام السابقة، لتسهيل تهريب الأموال. وهي كثيرة في لبنان. وعلى أساسها، تحدّث عن ملفات لشخصيات مختلفة، سياسية اقتصادية ومالية، متهمة بالتواطوء.

لكن حتى الساعة لم يصدر قرار “إعلان العقوبات عليها” على الرغم من أنّ ملفاتها جاهزة في وزارة الخزانة. عليه، يجول الوفد اليوم في لبنان لوضع المسؤولين أمام استحقاقاتهم، وأهمها:

1– إصدار المراسيم التطبيقية لقانون رفع السرية المصرفية لاستخدامه في كشف تحويلات الأموال.

2- الالتزام بالملاحظات الصادرة عن صندوق النقد في إعادة صياغة قانون هيكلة المصارف على اعتبار أنّ المصارف هي واحدة من المنصات الأساسية التي يحتاج المجتمع الدولي إلى ضبطها بقوانين التحويلات العالمية بعيداً عن تهريبات العمل النقدي اللبناني. لذلك فإنّ المصارف أمام استحقاق كبير، ليس فقط من أجل الإصلاح بل لأن الإصلاح هو أساسي في عملية مكافحة تهريب الأموال التي تصب دائماً في مصلحة “الحزب”.

3- قانون الفجوة المالية وإعادة الانتظام المالي. وفي أهمية هذا القانون، أنّ المصارف التي استفادت من تحويلات مشبوهة، ملزمة بدفع ثمن الخسارة من هيكليتها أو من رأس مالها. وهذا ما سيكون عنوان معركة طاحنة في المرحلة المقبلة، كل قطاع بحسب حساباته ومصالحه.

4- ضبط التهريب عبر المرافق الأساسية، في المطار والمرفأ والحدود البرية. وذلك بناء على معلومات استخباراتية أظهرت وصول أموال إلى لبنان جواً وبراً وأحياناً بعلم من السلطات اللبنانية.

5– منع القرض الحسن من العمل.

تقاطع مصالح داخلية مع “الحزب”

تطبيق هذه الشروط الدولية لن يؤثر فقط على تطويق “الحزب” ومنع وصول الأموال اليه، بل سيؤثر على منظومة مستفيدة من النظام المصرفي الحالي، تتقاطع مصالحها مع مصالح “الحزب”، في منع تطبيق الشروط الدولية لكي يحافظ كل فريق على ما يعتبره مكتسبات حافظ عليها في النظام المالي السابق.

لذلك، تتحدث معلومات دبلوماسية عن ضغط يتعرض له لبنان، ليس فقط أميركياً، بل خليجياً أيضاً لتطبيق الاصلاحات باعتبارها عنواناً يساوي بأهميته عنوان السلاح. بناء على هذا المعطى، تتوقع مصادر سياسية أن تكون المرحلة المقبلة مصحوبة بمعركة يشترك فيها عدد من المصارف مع “الحزب” وكل القطاعات المستفيدة.

هذه المعركة، يرجح أن تحصل على حساب الانتخابات نفسها بناء على معطى دولي يقول، إن الاصلاحات وضبط تهريب وتبييض الأموال هي أولوية مطلقة قبل أولوية الانتخابات البرلمانية. هل ستتم مقايضة اقرار الإصلاحات بحصول الانتخابات؟

يُطرح هذا السؤال في الدوائر الضيقة من دون أن يُحسم بعد ولكن مع انفتاح لافت لتأجيل الانتخابات بانتظار الانتهاء من ورشة السلاح والإصلاح المالي.

نهاية العام: عقوبات أو إعمار؟ 

في لقاء الوفد مع رئيس الجمهورية، حرص الرئيس جوزف عون على تقديم شرح مكثف عن أهمية لبنان في المنطقة بما فيه من وجود مسيحي والحاجة إلى دعمه ودعم مسيرة الإصلاح فيه. وللاستمرار في المسار الاصلاحي على مستوى الأمن والمال والسياسة، على المجتمع الدولي الضغط على اسرائيل لتقديم أي انجاز للبنان على المستوى الدبلوماسي.

واضح من تغريدة رئيس الوفد سيباستيان غوركا تأثره بكلام عون عن أهمية الوجود المسيحي في لبنان، بقوله إنّ عون هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، لا سيما وأنّ علاقة خاصة تجمع الرجلين، يوم كان غوركا أستاذ عون في الجامعة. لكن ما يجدر التوقف عنده في كلام غوركا الذي نشره على حسابه على انستغرام أنّ “الرئيس عون يساعد في تحقيق رؤية دونالد ترامب للسلام وفق الاتفاقيات الإبراهيمية في المنطقة”.

بغض النظر عن دقة ما جرى في الاجتماع، غير أنّ كل هذا يبقى مديحاً غير قابل للصرف، إذا ما اقترن بمسار جدي ومنطقي يراعي توازنات العام الماضي، وجراحه ونكبته أيضاً. فيقود هذا المسار لبنان إلى عام جديد، إمّا يكون عام البناء، وإمّا يكون عام انفجار أزمات العهد الجديد.

جوزفين ديب