منذ نحو ثلاث سنوات لم يتوقف بنيامين نتنياهو عن الكلام على أنه يعمل لإسقاط النظام الإقليمي الحالي ليُقام على أنقاضه الشرق الأوسط الجديد. وليس جديداً أن الكيان الصهيوني هو الوليد (غير الشرعي) لهذا الشرق الذي يريد استبداله. وبالتالي فإن منطق التطور وحتمية التاريخ يفرضان أن تكون الدولة العبرية أولى الضحايا… في أي حال الأمور مرهونة بأوقاتها، وربما يدفع غرور نتنياهو وعنجهيته الى تسريع حركة التاريخ.
ومن السابق لأوانه البناء الحاسم على الأيام الثلاثة الماضية على الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على إيران، وأي تقويم واستقراء النتائج، منذ اليوم، قد لا يخلوان من التسرع. والواقع أن هذه الحرب لا تزال محصورة بين طرفَين، بالرغم من الدعم الأميركي (المعلوم والمفهوم) للإسرائيلي، وإن كان بعض المراقبين يذهب الى حد الزعم أن الرئيس دونالد ترامب ضاق ذرعاً بنتنياهو ويريد التخلص منه بأي ثمن، وأن هذا الأخير يدرك هذه الحقيقة لذلك يريد أن يورط الأميركي فيستجره الى الإنخراط العملاني في المواجهة، وليس فقط بتبادل المعلومات وتصحيح الإحداثيات العسكرية ناهيك بالسلاح على أنواعه من أصغر قذيفة الى القنبلة الذكية… إنما كذلك بمشاركة جنود وضباط أميركيين في القتال(…).
وفي تقديرٍ آخر أن تكرار واشنطن نفيها المشاركة في الحرب هو مؤشر على أن البيت الأبيض لا يرغب بنصر إسرائيلي لا سيما أنه لا يستسيغ أن يرى نتنياهو يتزعم الشرق الأوسط الجديد.
وليس من باب المصادفة أن البلدان العربية كافة، بما فيها تلك التي لا ودّ بينها وبين طهران، بادرت بالإجماع الى التنديد بالحرب التي شنها نتنياهو على إيران وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أول من أسماها بالعدوان، وأول المتصلين بالقيادة الإيرانية مستنكراً المغامرة النتنياهية. والملاحظ أن روسيا والصين وتركيا والكثير من الدول الأخرى اتخذت مواقفَ تشبه الإجماع العربي، إلّا أن الباكستان راحت أبعد مدىً في الاستنكار، بقوة الموقف الذي اتخذته.
وأما على الصعيد الميداني فقد أثبت الإيراني أنه قادر على مواجهة كبيرة، وأن مزاعم نتنياهو، قبل أشهرٍ، أنه قضى على قدرات طهران الصاروخية كانت كذباً فاقعاً، بدليل وقائع ليل السبت – الأحد، الذي شهد مواجهة حوّل فيها الإيراني أجواء وأراضي الاحتلال، كلها، الى جحيم… ويبقى السؤال المركزي: هل ينجح نتنياهو في توريط ترامب في هذه الحرب بشكل أكبر؟ وفي حال حدث الاستدراج يقول الصحافي الشهير جايمس رونديل مراسل رويترز للشؤون الديبلوماسية: «اذا أصبحت واشنطن طرفاً نشطاً في القتال فسيُعدّ ذلك تصعيداً هائلاً قد تكون له تبعات طويلة الأمد ومدمّرة»!.