خلال غيابي القسري عن «شروق وغروب» اتصل، مشكورين، أصدقاءٌ وزملاء مطمئنين. وتداولنا شؤون الساعة، كما حدث مع الصديق العزيز الباحث في التاريخ الأستاذ الجامعي الدكتور قاسم الصمد، وكان أبرزها طرابلس وبلاد الشام. هنا رأيه العلمي المميز أختصره في الآتي من دراسة مميَزة زوّدني إياها لعلها تكون مشروع كتاب يصدره لاحقاً:
منذ العهد الأموي ومن ثم العباسي، والدول الإسلامية غير العربية أي السلجوقية والأيوبية، أو المملوكية أو العثمانية، جرى إرساء تقسيم لولايات شرق البحر المتوسط، وما يعرف ببلاد الشام من حدود الأناضول إلى تبوك في شمال الجزيرة العربية، إذ قسمت إلى ثلاث ولايات رئيسة: ولاية دمشق وولاية حلب وولاية طرابلس.
كانت ولاية حلب تسود الشمال السوري إلى عمق الأناضول أي أجزاء من تركيا الحالية. وكانت ولاية دمشق تتبع سوريا الداخلية، ولا إطلالة لها على الساحل، الذي كان حكراً على ولاية طرابلس المهمة التي كانت تكاد تحتكر سواحل شرق البحر المتوسط من لواء الإسكندرون وشمال اللاذقية إلى فلسطين (…).
وامتدّت ولاية طرابلس من منطقة المعاملتين في ساحل جبل لبنان الحالي إلى شمال اللاذقية في سوريا. وكان والي طرابلس يلزم مهمة جباية الضرائب لوجهاء المناطق في بلاد جبيل الساحلية والجبلية، وفي بلاد البترون، وبلاد الكورة، وبلاد جبة بشري، وبلاد الزاوية، وبلاد الضنية، وبلاد عكار، وفي فترة ما بلاد حمص وحماة قبل أن تسلخ عن ولاية طرابلس، إضافة إلى اللاذقية. ويجزم الصمد بأن طرابلس والضنية وعكار لم تكن جزءاً من سوريا في أي حقبة من حقبات التاريخ، ولم تسلخ عن كيان قائم الوجود لأنه لم يكن هناك مملكة سورية، أو جمهورية سورية تضم تلك المناطق، ولم يحصل أن كانت طرابلس جزءاً من ولاية دمشق مطلقاً. ويذهب أبعد ليقول إنّ اتفاقات مثل سايكس بيكو تشي بأن أجزاء من ولاية طرابلس سلخت عنها وضمت إلى سوريا الجديدة.
ويشدد على نفي ما يُقال ولا يزال راسخاً في الأذهان من أن موقف طرابلس كان سلبياً من إعلان دولة لبنان الكبير (1 أيلول 1920)، معترفاً بانقسام في المدينة بين فريق رافض للإعلان تزعّمه عبدالحميد كرامي مقابل فريق قبل بلبنان الكبير وشارك في الحياة السياسية وفي وضع دستور 1926، وكان بقيادة الشيخ محمد الجسر مدير المعارف والعدلية، الذي أصبح لاحقاً رئيساً لمجلس الشيوخ، ثم رئيساً لمجلس النواب، وكاد ينتخب رئيساً للجمهورية عام 1932 لولا تعليق الدستور.
ويضيف الصمد أن طرابلس تمثلت في استمرار بمجلس إدارة لبنان الكبير في 1920، والمجلس التمثيلي في 1922 و1925، ومجلس النواب عام 1929 وما بعده، وصولاً إلى انتخاب شفيق كرامي وراشد المقدم نائبين عن طرابلس في 1937. وشاركت العائلات الطرابلسية الكبرى في المشهد السياسي، من آل علم الدين والجسر والمقدم وعدرة وأديب عبد الواحد، وآل كرامي وغيرها، ممن تمسك بعدم تبني مواقف سلبية من الدولة الراعية.
ويخلص الصمد إلى أنه لا مكان للمقايضة بين الجولان وطرابلس، فالأول جزء قديم من سوريا، ولكن لم تكن طرابلس أو الضنية أو عكار في أي يوم من الأيام جزءاً منها، لذا لا يمتلك أحد حق هذه المقايضة المرفوضة.
كما يجزم الدكتور الصمد تمسك أبناء طرابلس بنهائية الكيان اللبناني (…).