عندما تُعقد المجالس النيابية في لجانها وبالذات في هيئاتها العامة، وعندما تلتئم الحكومات، في العالم كله، لا سيما في البلدان التي تعيش الديموقراطية وتمارسها وفق الأصول والأعراف والدساتير والقوانين والنُظم، تكون ردة فعل الناس هناك واحدة من اثنتين: إما لامبالاة مطلقة لأنه «يفترَض في السلطات المنتخَبة من الشعب ان تقوم بواجبها. وإما الاطمئنان الى أن ثمة مشاريع وقوانين يُنتظَر إصدارها لما فيه مصلحة البلاد والعباد في الإزدهار والتقدم والسعي الى تحقيق مصالح الناس. وبالتالي فالدنيا بخير».
أين نحن من ذلك؟
الحواب نعرفه كلنا. فنحن اللبنانيين نضع أيدينا على قلوبنا، فإذا عُقد مجلس النواب مشكلة، وإذا لم يُعقد مشكلة أكبر! والأمر ذاته بالنسبة الى مجلس الوزراء. لماذا؟ لأن القوم عندنا على اختلاف في كل شيء وعلى كل شيء… في الصغيرة وعلى الكبيرة.
لنراجع الصحف كلها ومعظم وسائط الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، منذ سنوات حتى اليوم، لتثبت لنا هذه الحقيقة. ولنعد الى الأيام القليلة الماضية، فماذا يطالعنا غير المخاوف من أن يتعطل النيابي، وأن ينفجر الحكومي؟!.
اننا ندفع اليوم ثمناً باهظاً جداً لسوء تطبيق اتفاق الطائف، بل لتعمّد تطبيقه وفق الأمزجة والأنانيات والأحقاد. وبالفم المليان إننا ندفع ثمن الخنوع للوصاية السورية من جهة وتسليم مفاصل الدولة الى الميليشيات.
لقد أدى هذا الواقع المزدوج الى إنهاء لبنان الذي كان ظاهرة إيجابية فريدة في المنطقة، وهو كان يتدرج صعوداً في سلّم الممارسة الديموقراطية، فاكتسب تسمية سويسرا الشرق ليس بالمصادفة انما بالاستحقاق.
جاءت الوصاية السورية بمجموعة من العُقَد العميقة في لبنان، وبالتالي من رغبة دفينة في الانتقام من تلك الظاهرة الرائعة الواعدة، واكتشفت أنه يمكنها أن تتحكم بالطاقم السياسي الذي حل في سدة السلطة بسبب الخنوع والاستسلام والزحف على البطون واستباحة المحرمات كلها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، ويعرفها القاصي والداني بما فيها من الخزي والعار.
وقام «تعايش» من نوع آخر (مباشرةً ومداورة) بين الوصاية وأزلامها في السلطة وبين الميليشيات التي وصلت الى احتلال المفاصل وهي الآتية من الارتكابات كلها: من القتل على الهوية والقصف العشوائي وزرع المتفجرات ومقاسمة الناس رغيف قُوتها، وخصوصاً اعتبار مقومات الدولة وأموال الخزانة مزرعة لها سرحاً مرحاً… فكان أن وصلنا الى ما نحن فيه، ولن يكون الخروج منه بالأمر اليسير.
khalilelkhoury@elshark.com