شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – سقى الله زمناً … كانت السياسة ظريفة

هذا التشنج الذي يغمر الساسية وأهلها، في لبنان، هو ظاهرة سلبية جداً نجزم أنها طارئة على حياتنا الوطنية التي قُيّض لنا أن نواكبها طوال عقود منذ أن اخترنا «مهنة البحث عن المتاعب»، في السنة الأولى من دراسة الحقوق على أيدي كبار الأساتذة وعمالقة القانون أمثال المرحومين إدمون رباط وصبحي المحمصاني، وألبير فرحات، وبطرس ديب وسواهم من أهل الفقه والفهم وشمولية الثقافة، وكان يتقدمهم رئيس الجامعة اللبنانية في ذلك الزمن الجميل العلّامة فؤد افرام البستاني الذي كان يجيد بضع عشرة لغة كتابةً وكلاماً وخطابة…

ولعب الشيطان في العقل فاخترتُ الصحافة، ولست نادماً… ما مكنني، وسواي من الزملاء ورفاق الدرب، أن نكون على مقربة واحتكاك مباشر بجيل الكبار أمثال كميل شمعون وكمال جنبلاط وبيار الجميل وصائب سلام وريمون إده ورشيد كرامي، وسليمان فرنجية وكامل الأسعد والأمير مجيد أرسلان وصبري حماده ويوسف سالم وجوزاف سكاف ومارون كنعان والأب سمعان الدويهي ورينيه معوض وجواد بولس وألبير مخيبر وبطرس ديب وسليمان العلي… الى سواهم.

وما شهدناه، أمس، من مقاطعة نواب جلسات تشريعية ليس جديداً، مع فارق أن كل حراك أو موقف، مع هذا الجيل السياسي الذي يتناوب على لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود، إنما ينطلق من مصالح آنية فاقعة. فمَن من اللبنانيين وحتى من المراقبين الأجانب، ومن باب أولى مَن بين المنتشرين اللبنانيين في مختلف أصقاع المعمورة، هو على اقتناع بأن الذين يختلفون على قانون الانتخاب (لجهة على أي قاعدة يصوت هؤلاء المنتشرون) بأنهم مهتمون بمصلحة الجناح المغترب؟ أليس جميعهم يبحثون عن مصالحهم الشخصية والحزبية المباشرة. وليؤذَن لنا ألّا نصدقهم …

يبقى أن المقارنة بين هذا الجيل السياسي والجيل الذي ذكرنا بعضاً من أسماء نجومه ستكون ظالمة في حق الجيلَين معاً. والمعنى في قلب القارئ. مع التأكيد على أن أركان ذلك الجيل الماهد لم يتركوا للحقد والغلّ والكراهية أن تجتاح الأجيال الصاعدة كما يفعل جماعة اليوم.

… وفقط، وعلى سبيل الظرف السياسي نذكر أن رئيس مجلس النواب منذ العام ١٩٥٨ وحتى أوائل سبعينات القرن العشرين الماضي كان الرئيس صبري حماده أحد أركان النهج الشهابي بامتياز، ولنا معه على الصعيد الشخصي والمهني حكايات ظريفة وذات أبعاد سياسية… إحداها أنه كان يؤدي دور خط الدفاع الصلب عن الحكومة التي غالباً ما تكون (إن لم تكن دائماً) «نهجية»… حتى إذا تبين له أن المسار يمضي، في مجلس النواب، نحو تهديد الحكومة، فسرعان ما كان يبتكر أسلوباً لوقف الجلسة الحامية، كأن يستحضر النوبة القلبية، فيرتمي على طاولة المنصة الرئاسية في مجلس النواب «لا من إيدو ولا من إجرو» كما يقول مثَلُنا الشعبي  السائر… ولكنه سرعان ما يستعيد وضعه الصحي الطبيعي بعد دقائق! فتكون الجلسة قد رُفعت حكماً، والحكومة قد نجت من حساب عسير.

khalilelkhoury@elshark.com