فرنسا تتحرّك: لوجاندر إلى بيروت… هل يتبعها ماكرون؟

بقلم وليد شقير

«أساس ميديا»

من الطبيعيّ أن يتساءل كُثر عن دور فرنسا في الخضمّ اللبنانيّ في ظلّ التهديدات الإسرائيليّة بتوسيع الضربات ضدّ “الحزب”. هي الشريك الأوروبيّ في لجنة “الميكانيزم”، المكلّفة مراقبة اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة. تعود عضويّتها فيها إلى علاقتها الخاصّة بلبنان، وجيشها المساهم الأكبر في قوّات “اليونيفيل” في الجنوب منذ 1998. مع أنّها تترك للجانب الأميركيّ أن يتصدّر معالجة التصعيد العسكريّ، تكثّف تحرّكها لهذا الغرض باتّجاه لبنان، لكنّها تخشى فقدان البلد زخم التأييد. 

يُتوقّع تفعيل الاهتمام الفرنسيّ بلبنان قريباً من خلال خطوتين، حسب قول مصادر الدبلوماسيّة الفرنسيّة لـ”أساس”:

1- الزيارة المرتقبة لمستشارة الرئيس إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأوسط آن كلير لوجاندر الواسعة الاطّلاع على الملفّ اللبنانيّ، خلال هذا الأسبوع لأجل محادثات مع كبار المسؤولين في كلّ المواضيع التي تنخرط فيها فرنسا، بدءاً من خطّة سحب سلاح “الحزب”.

2- مناقشة الإدارة الفرنسيّة إمكان زيارة الرئيس ماكرون بيروت الشهر المقبل. جرت العادة أن يزور رئيس فرنسا لبنان بالتزامن مع اقتراب عيد الميلاد لتفقّد الكتيبة الفرنسيّة العاملة في إطار قوّات حفظ السلام الدوليّة في الجنوب. الخطوة قيد الدرس، ولم يُتّخذ قرارٌ بشأنها حتّى الساعة.

لا يتناقض هذا التحرّك المفترض مع الإمكانية المفتوحة لقيام الموفد الرئاسيّ إلى لبنان، المكلّف في الوقت نفسه بمهمّة الإشراف على التعاون الفرنسي السعوديّ لتطوير منطقة العلا السعودية الوزير السابق جان إيف لودريان، بزيارة لبيروت في ضوء المستجدّات.

يأمل بعض المراقبين من تسلسل الزيارات الرفيعة المستوى، مثل زيارة البابا ليو الرابع عشر آخر الشهر الجاري، أن تساهم في إعفاء البلد من التصعيد الإسرائيليّ المدمّر الذي تلوّح به تل أبيب.

أميركا تتصدّر وتنسّق… وفرنسا تتمايز وتنصح

دأبت الخارجيّة الفرنسيّة على إصدار المواقف الداعية إلى انسحاب إسرائيل من التلال الخمس التي تحتلّها. وهي بذلك أقرب إلى الموقف اللبنانيّ. باريس هي أكثر العواصم قناعة بوجوب دعم الجيش اللبنانيّ لتمكينه من تطبيق القرار الدوليّ 1701: تستند مقاربة فرنسا لدورها اللبناني إلى جملة عوامل:

– يحرص الجانب الأميركيّ على التنسيق مع فرنسا، فيعرّج معظم موفدي واشنطن إلى لبنان، وخصوصاً توم بارّاك، على باريس لإطلاع نظرائهم على ما ينوون طرحه على الجانب اللبناني.

– تعتمد باريس على قدرتها على إقناع واشنطن ببعض الأفكار والنصائح المتّصلة بسبل التعامل مع لبنان و”الحزب”. مع قناعتها بتأثير طهران على قرارات وتوجّهات الأخير، تلتقي الدبلوماسيّة الفرنسيّة مع الإصرار الأميركيّ على سحب السلاح كخطوة لا بدّ منها. لكنّها منذ البداية اعتبرت أنّ ذلك سيواجه صعوبات ويتطلّب وقتاً. وتنصح الجانب الأميركيّ بتفهّم التعقيدات اللبنانيّة الداخليّة، لا سيما الوضع في الطائفة الشيعيّة المتضامنة مع “الحزب”.

لنموذج مختلف عن صراع إسرائيل – “الحزب”؟

– يتأخّر الأميركيّون في الأخذ بنصائح باريس، لكنّهم يلجؤون إليها أحياناً، كما حصل في اجتماع المستشارة مورغان أورتاغوس في 28 تشرين الأوّل الماضي بوزيرة الشؤون الاجتماعيّة حنين السيد بناء على نصيحة فرنسيّة بوجوب أن يشمل الاهتمام الوضع الاجتماعي المعيشيّ في الجنوب وإشعار الجنوبيّين بأنّ هناك نموذجاً آخر لحياتهم مخالف لثنائيّة الوجود الإسرائيلي وتحكّم سلاح “الحزب” بمصيرهم، ويكون ذلك بداية بتقديم المساعدات للجنوبيّين المنكوبين بانتظار إعادة الإعمار، فالمطلوب إشعارهم بأنّ المجتمع الدوليّ المطالِب بسحب السلاح يهتمّ لإنهاء معاناتهم.

– تتناسق هذه السياسة مع تركيز باريس على تفعيل كميّة كبيرة من الاتّفاقات بمبادرة من السفير في بيروت هيرفي ماغرو في مجالات الصحّة، التربية، البيئة، الإدارة، الطاقة والكهرباء وتشجيع الاستثمارات والشؤون الاجتماعيّة في مجالات عابرة للطوائف. تعقد الوكالة الفرنسيّة للتنمية اتّفاقات ومذكّرات تفاهم بشأنها، وتقدِّم مساعدات ماليّة. تعتبر باريس الدعم في الميادين المفيدة قاعدة صلبة لتقوية المؤسّسات الرسميّة للدولة ونهوضها.

“الحزب” يفضّل أميركا…

– يدرك الجانب الفرنسيّ أنّ الولايات المتّحدة أقدر منه على التأثير في الوضع اللبنانيّ من الزاوية العسكريّة. تستطيع واشنطن الضغط أكثر من باريس على إسرائيل لضبط تصعيدها. يتساوى في ذلك “الحزب” مع كثير من القوى في المنطقة، التي تعتبر أنّ تل أبيب لا تستمع إلى فرنسا، بل إلى أميركا.

صارح “الحزب” وبعض الفرقاء اللبنانيّين الجانب الفرنسيّ، لا سيما قبل أن تقع الحرب الإسرائيليّة الواسعة. حين نصح وزير الخارجيّة الفرنسيّ السابق ستيفان سيجورنيه “الحزب” في ما يسمّى الورقة الفرنسيّة مطلع 2024 بخطّة لوقف النار بمعزل عن حرب غزّة، لم يستجب “الحزب”. عندما أثار محاورو الأخير وغيره مسألة عدم الاستماع لتلك النصائح فهموا الجواب: أنتم غير قادرين على التأثير في الموقف الإسرائيليّ، ولذلك نفضّل البحث مع الأميركيّين. الانطباع هو أنّ “الحزب” ما يزال في حالة إنكار كامل للتطوّرات التي حصلت بعد الحرب وفي المنطقة.

– من المهمّات الملحّة عند الفرنسيّين تمكين الدولة من حصر السلاح بيدها بدعم الجيش. بالإضافة إلى المساعدات التي تقدّمها له، وتلك التي تقدّمها واشنطن، تلاحق باريس الاستعداد السعوديّ لاستضافة أحد المؤتمرَين اللذين التزم الرئيس ماكرون الدعوة إليهما قبل آخر السنة، لإعادة الإعمار ولدعم الجيش. الرياض متردّدة بعدما لمّحت في حوارها مع باريس إلى استعدادها لاستضافة مؤتمر دعم الجيش لأنّها تنتظر جدّية أكثر في سحب السلاح. تواصل فرنسا بحث الأمر مع السعوديّة.

شكوى باريس من التّباطؤ

– على الرغم من تمايزها عن واشنطن حيال الاندفاعة العسكريّة الإسرائيليّة، تتلاقى مع التبرّم الأميركيّ من التباطؤ في الخطوات المطلوبة لضمان الدعم الدوليّ السياسيّ والاقتصاديّ الماليّ للبنان. لا يختلف الانطباع الفرنسيّ عن القناعة الأميركيّة بأنّ الدولة اللبنانيّة تتأخّر في خطوات استعادة المبادرة في سحب السلاح وإقرار الإصلاحات التي تشجّع على دعوة المجتمع الدوليّ إلى مساعدة لبنان، عبر ما التزمه ماكرون.

تتّفق فرنسا مع القول إنّ حكومة لبنان تفقد زخم انطلاقها. أبطأت سحب السلاح بقرارها إطالة الجدول الزمنيّ للتنفيذ في 5 أيلول، قياساً إلى قرارها في 5 و7 آب. تسجّل أنّ إقرار الإصلاحات يتعرّض إمّا لإعادة نظر، أو للتأخير، وأنّ تقديم معدّات للجيش يفتقر إلى تحديد تفصيليّ للحاجات.

وليد شقير