فريدمان: الصراع الإسرائيلي بين القبيلتين اليهوديّة والديمقراطيّة

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

تلوح في الأفق إشارات إلى أنّ المزيد من الإسرائيليّين، من اليسار إلى الوسط، حتّى بعض اليمين، يستنتجون أنّ استمرار حرب غزّة كارثة على إسرائيل: أخلاقيّاً، دبلوماسيّاً واستراتيجيّاً. هذا انطباع المحلّل والكاتب السياسي في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان بعدما قضى أسبوعاً في إسرائيل.

من الإشارات التي يتحدّث عنها فريدمان، مقال رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت في صحيفة هآرتس الذي هاجم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، واتّهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وقول أميت هاليفي، عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، المؤيّد الشرس للحرب، إنّها كانت “خدعة، وكان تنفيذها فاشلاً”، وتصريح يائير غولان، زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي، بأنّ “إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة إذا لم نعُد إلى التصرّف كدولة عاقلة. الدولة العاقلة لا تحارب المدنيين، ولا تقتل الأطفال من باب الهواية، ولا تحدّد لنفسها هدف طرد السكّان”.

في رأي فريدمان أنّه “ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزّة هو ما يُثير أساساً غضب الإسرائيليين المتزايد على الحرب، بل ببساطة، لقد أنهكت الحرب المجتمع بأسره”، ويشير إلى تقارير صحافية عن مؤشّرات تشمل كلّ شيء، “من تزايد حالات الانتحار (التي لا يُبلِّغ عنها الجيش) إلى تفكّك العائلات وانهيار الشركات وتبدّد وعود النصر”.

“حماس” أيضاً محاصَرة من الفلسطينيّين

وفقاً لفريدمان “إذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنّهم محاصَرون من قبل قادتهم، فمن الواضح أنّ العديد من سكّان غزّة يشعرون الشعور نفسه”، ويلفت إلى “وجود حركة مناهضة للحرب تنشط هناك أيضاً. فبحسب استطلاع في جميع أنحاء قطاع غزّة أجراه المركز الفلسطيني المستقلّ للبحوث السياسية والمسحيّة ومقرّه رام الله، أيّد 48% التظاهرات المناهضة لـ”حماس” التي اندلعت في عدّة أماكن في الأسابيع الأخيرة. وبالتالي ليس بعض القادة الإسرائيليين فقط هم من سيواجهون الحساب عندما تصمت مدافع غزّة أخيراً. سيعيش قادة “حماس” في العار. اختبأوا في الأنفاق وفي الخارج”.

يستغرب فريدمان إصرار قيادة “حماس” على عدم تسليم جميع رهائنها الأحياء الباقين ما لم توافق إسرائيل على مغادرة غزّة والعودة إلى وقف إطلاق نار مفتوح. ويتساءل: “حقّاً؟ يجب على إسرائيل مغادرة غزّة بالكامل وقبول وقف إطلاق النار؟ يا لها من فكرة رائعة. إذا حقّقت “حماس” هذا “الانتصار”، فهذا يعني أنّها خاضت هذه الحرب بأكملها التي فقدت فيها عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين ولم يبقَ لديها سوى عدد قليل من المباني في غزّة سليمة، من أجل العودة بالضبط إلى ما كانت عليه في 6 تشرين الأوّل 2023: وقف إطلاق نار وخروج إسرائيل من غزّة”.

حمقى وكذّابون

بالنسبة لفريدمان “لهذا وحده سيتذكّر التاريخ قادة “حماس” على أنّهم حمقى. لقد ظنّوا أنّهم يطلقون نهاية العالم على إسرائيل، لكنّهم أطلقوا بدلاً من ذلك نهاية العالم على شعبهم الذي انتهى به الأمر إلى منح نتنياهو ترخيصاً لتدمير حليفهم، “الحزب”، في لبنان وسوريا، فضعفت قبضة إيران على الدولتين، وكذلك على العراق، وخرجت روسيا من سوريا، فكانت هزيمة نكراء لـ”شبكة المقاومة” التي تقودها إيران. وأصبح الآن كلّ من لبنان وسوريا والعراق والسلطة الفلسطينية في رام الله، علاوة على السعودية، أكثر حرّيةً للانضمام إلى اتّفاقات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ممّا كانت عليه حين كانت شبكة المرتزقة الإقليمية الإيرانية قويّة جدّاً”.

يضيف: “غير أنّ نتنياهو الذي حقّق كلّ ذلك لا يُفوّت أيضاً فرصةً لإضاعة فرصة السلام. يرفض اليوم بشدّة حصاد ما زرعه بنفسه. ولن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يُطلق العنان لسياسة المنطقة بأسرها: فتح طريق، مهما طال، لحلّ الدولتين مع سلطة فلسطينية يتمّ إصلاحها وتطويرها”.

ديمقراطيّة إسرائيل في ورطة

لا يستغرب فريدمان “أن يتجنّب دونالد ترامب إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو لا يستطيع جني أيّ أموال منه، ونتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أيّ تاريخ معه”. ويكتب: “كلّما قلت للإسرائيليين إنّ نتنياهو يرتكب خطأ تاريخيّاً بمقايضة السلام مع السعودية بالسلام مع المتطرّفين اليمينيّين الذين يبقونه في السلطة، سألوني: “هل تعتقد أنّ ترامب قادر على إنقاذنا؟”. هذا السؤال هو الدليل القاطع على أنّ ديمقراطيّة إسرائيل في ورطة. وكان عليّ أن أشرح أنّ ترامب يذهب إلى دول تُعطيه أشياء، نقوداً وطائرات بوينغ 747 وعملة ترامب ومبيعات ميلانيا الرسمية وشراء أسلحة وصفقات فنادق وملاعب غولف وذكاء اصطناعي، لا إلى الدول التي تطلب منه أشياء، مثل إسرائيل”.

يريد فريدمان إنصاف ترامب بالقول إنّه “ربّما ليست لديه فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي حدث في إسرائيل. حتّى إنّ العديد من اليهود الأميركيين لا يفهمون مدى ضخامة وقوّة المجتمع الأرثوذكسي المتشدّد والمستوطنين القوميّين في إسرائيل ومدى رؤيتهم أنّ حرب غزّة دينية. ونتنياهو هو في الواقع بيدقهم، وليس اللاعب الحقيقي”، كما استنتج أفرايم بورغ، رئيس الكنيست السابق الذي يُدرّس العلاقات بين الدين والدولة.

عودة اليهوديّة القوميّة

في رأيه أنّ “الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدّميّين: بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن. إذا كانت الصهيونية في الأصل انتصاراً للقومية العلمانية على اليهودية الدينية، فإنّ ما يحدث اليوم هو عودة اليهودية القومية الدينية إلى الواجهة على حساب الديمقراطية”.

هذه “المسرحية” نفسها وجد فريدمان عندما عاد إلى بلاده أنّها كانت تُعرض على مسرح “أوف برودواي” في نيويورك، وإن كانت أكبر حجماً. فترامب ونتنياهو يستخدمان أسلوباً مشابهاً لتقويض ديمقراطيّتَيهما. لكنّ السؤال: من الذي ستشعل دوافعه الاستبدادية أزمة دستورية شاملة أوّلاً؟ يُتّهم كلّ منهما بمحاولة تقويض محاكم بلاده و”الدولة العميقة”، أي جميع المؤسّسات التي تدعم سيادة القانون.

في حالة ترامب، الهدف هو إثراء نفسه شخصيّاً ونقل ثروات البلاد من الأقلّ حظّاً إلى الأكثر امتيازاً. أمّا في حالة نتنياهو فالهدف هو التهرّب من تهم الفساد العديدة الموجّهة إليه ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتديّنين لتحافظ هذه المجموعة على ائتلافه في السلطة ما دام يعفي المتديّنين من القتال في غزّة ويسمح للمستوطنين بمواصلة مسيرتهم لضمّ الضفّة الغربية اليوم وغزّة غداً.

2026 مفصليّة

يخلص إلى القول: “في عام 2026 سيُطرح الكثير من التساؤلات عن إمكان احتواء جماعتَي نتنياهو وترامب. في ذلك العام، سيُضطرّ نتنياهو إلى إجراء انتخابات وطنية، وسيُضطرّ ترامب إلى مواجهة انتخابات التجديد النصفيّ. الملتزمون بالديمقراطية والنزاهة في كلا البلدين لديهم مهمّة واحدة من الآن حتّى ذلك الحين: التنظيم للفوز بالسلطة. لا شيء آخر يهمّ. وكلّ شيء مُعلّق على ذلك”.

إيمان شمص