كتب عوني الكعكي:
كنت أظن أن العرب عندما يخسرون أي معركة، يحاولون تبرير ذلك ويدّعون بأنّ الخسارة ليست هزيمة، بل يقولون: خسرنا معركة ولكننا لم نخسر الحرب.
والأسوأ من ذلك، أن نحوّل الهزيمة الى نصر إلهي فهذا «الالتفاف» في قمة الغباء.
بالله عليكم، كيف يمكن أن يقول أحدهم إنّ أميركا انهزمت أمام إيران؟ هذا أولاً. خصوصاً أنّ رئيس أميركا، بل أعظم رئيس في تاريخها، ألا وهو الرئيس دونالد ترامب، قد أعلن بأنه لن يسمح لإيران بالحصول على مفاعل نووي. بدأ معها المفاوضات. وبالرغم من مرور أشهر على هذه المفاوضات التي لم تصل الى نتيجة، بل كانت مجرّد كذب وتسويف حتى وصل الأمر الى أن يتخذ الرئيس ترامب قراراً تاريخياً ويعطيهم مهلة شهرين. وبعد مرور شهرين أي في اليوم الـ61، شنّت إسرائيل عملية عسكرية على إيران وبدأت بتدمير المطارات ومراكز التخصيب وقتلت عدة عمداء في عالم الذرة.
فقد أدّى قصف إسرائيل للمنشآت النووية الى مقتل عدد من كبار القادة العسكريين، وعلى رأسهم حسين سلامي ومحمد باقري وغلام علي رشيد وأمير علي حاجي زاده. في حين تأكد إصابة علي شمخاني. وكان مقتل هؤلاء فجر 13 حزيران (يونيو) 2025.
أما العلماء النوويون الذين قضوا في الحرب فهم: فريدون عباس دوائي وهو عالم نووي ومهندس وأستاذ جامعي وحائز على دكتوراه في الفيزياء النووية. ثم محمد مهدي طهرانجي عالم الفيزياء النووي أيضاً، وأمير حسين فقيهي عضو اللجنة التعليمية بجامعة الشهيد بهشتي، وأحمد رضا ذو الفقاري عضو هيئة التدريس في جامعة بهشتي، وعبد الحميد مينوتشهر رئيس تحرير المجلة الفصلية للتكنولوجيا، ومطلبي زاده أحد العلماء النوويين، ومحمد رضا صديقي الخبير بالبرنامج النووي وغيرهم كثر.
وليت إيران فهمت الرسالة وتوقفت عند المهلة الثانية التي أعطاها إياها الرئيس دونالد ترامب لمدة أسبوعين. وكما هي عادة الإيرانيين في الكذب والتسويف، لجأوا الى لعبتهم، ولكن فاتهم أن الرئيس ترامب لا يمزح. لذلك اتخذ قراراً بالقيام بأكبر وأعظم عملية عسكرية هي الثانية بعد اغتيال سيد المقاومة شهيد فلسطين السيّد حسن نصرالله الذي أرسلت أميركا القنابل GBU-57 الى إسرائيل لاغتياله، فقامت الطائرات الإسرائيلية من طراز «فانتوم» بقصف الضاحية وتحديداً مقر الأمين العام الشهيد حسن نصرالله شهيد فلسطين ومعه كامل هيئة المجلس من الصف الأول من الحزب. وسبق ذلك عملية «البيجر» التاريخية التي تعتبر أكبر عملية تعرّض لها الحزب في التاريخ بإصابة 6000 عنصر مميّز من فرقة «الرضوان» التي كانت تتباهى بهم أصبح بين أعمى أو شهيد أو بترت قدماه أو بترت يداه أو فقد نظره.
كل هذه الخسائر وهناك من يدّعي بأننا انتصرنا، فعلى «مين» وكيف؟ طبعاً لا أعلم.
العملية الثانية التي قام بها الطيران الأميركي كانت تاريخية.. إذ استطاعت أن تحطم ثلاثة مفاعلات نووية هي: فوردو ونطنز وأصفهان، المعلومات تقول إن كلفتها خلال أكثر من عشرين سنة بلغت حدود الـ500 مليار دولار.
كل هذه الخسائر التي تحدثت عنها.. نجد من يقول إنّ العدو فشل في احتلال إيران.. أقول لهؤلاء والعدو الإسرائيلي فشل في احتلال لبنان.. ولكن ربح «الدنيا» والرأي العام، إذ حطّم أسطورة المقاومة التي حققت انتصار عام 2000، ولكن للأسف لم تعرف أن تحافظ على هذا الانتصار، ولا عرفت كيف تستثمره، بل هي أغرقت البلاد والعباد باغتيالات وتدمير. إذ إن هناك 39 قرية تم إزالتها تماماً، بالإضافة الى هدم أحياء بكاملها في مدينة صور ومدينة النبطية ومدينة بعلبك والهرمل، والأهم ما جرى في ضاحية بيروت الجنوبية في المكان الذي قتل فيه شهيد فلسطين. والذي لفتني أن الإعلام المقاوم أو الإعلام التابع للملالي يعتبر نفسه أنه حقق نصراً إلهياً لمنع إسرائيل أو أميركا من احتلال إيران.
يا جماعة الخير، من قال لكم إنّ أميركا تريد أن تحتل إيران؟ فأميركا تريد «تهذيب» نظام الملالي لأنه لا يسمع الكلمة وقد حذرته مرات عدة كي يترك المشروع النووي لأنها لن تسمح له، وقد أكدت له ذلك من خلال طائرات الـB2 والقاذفات GBU-57، وبالرغم من الخسائر التي لا تحصى ولا تعد، لا يزال البعض يكابر ويقول إنه ربح… أقدّر موقف هؤلاء لأنهم لا يستطيعون القول لشعبهم بأنهم دمّروا الاقتصاد الإيراني ودمّروا مدناً بكاملها ودمّروا ثلاثة مفاعلات نووي كلفتها مئات المليارات… وكل ذلك مقابل ماذا؟ هذا السؤال ليس عندي إلا جواب واحد… هو أن هذا النظام لا يحب شعبه ولا يحب إلاّ «الكراسي» والحكم، وأتوقع أن يحاسبه شعبه قريباً جداً.
وقبل أن نختم مقالنا، لا بدّ من الإشارة الى ان هناك ومضة نور في هذا الظلام الدامس تضيف الى قلوبنا فرحة عندما رأينا الصواريخ الإيرانية على مدن فلسطين المحتلة كحيفا وتل أبيب وبعض الأماكن الحيوية والحسّاسة، بالرغم من أن العدد كان ضئيلاً جداً والتدمير لا يقارن بالتدمير الذي حصل سواء في لبنان أو في إيران.