كتب عوني الكعكي:
توقفت كثيراً عند عملية الاعتداء الخطير الذي قامت به الطائرات الإسرائيلية على دولة قطر، وتحديداً على المقر المخصّص لاجتماعات الوفد الفلسطيني والوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أن إسرائيل ضربت عرض الحائط كل المحرّمات، والمصيبة أن هذا السلوك هو رسالة لما سيأتي في المستقبل.
وقد تناولت إحدى الزميلات وهي رئيس مجلة «تيم» هذا الموضوع، وقالت بأنّ ضربة إسرائيل على الدوحة ليست تصعيداً عادياً، إنها صاعقة مدويّة، دويها كفيل بهزّ كل قصر وكل وزارة بل كل شارع. لم تكن ضربة ضد قطر… وليست موجّهة ضد «حماس» فقط، لقد كانت ضربة ضد فكرة والقول: إنّ أي عاصمة عربية ليست آمنة.
فإسرائيل لا تحارب حركة واحدة، ولا قطعة أرض واحدة، إنها في حالة حرب مع المنطقة بأسرها. قصفت سوريا ولبنان واليمن والعراق وإيران وسفينة الأسطول المساند لغزة قرب تونس، لا مرّة واحدة بل مرّتين. طائراتها المسيّرة تجوب كل مكان، فإسرائيل لا تحترم الدول، ولا تحترم حدوداً بعينها.
ومع ذلك لم يتوقف نتنياهو عن عربدته، فأمر بقصف وفد حماس المفاوض في الدوحة بينما كانت قطر تتوسّط لمحادثات وقف النار في غزة.
واللافت، أن القصف كان على الدوحة، لا على أي عاصمة أخرى، بل الحليف الرئيسي من خارج «الناتو» لواشنطن. الدوحة مقر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط. الدوحة دولة ضخّت مليارات الدولارات في خزائن أميركا، لكن لا شيء من ذلك شفع لها.
في يوم واحد فقط، قصفت إسرائيل دولة خليجية في قلب الجزيرة العربية، ودولة شمال أفريقية (تونس) على ضفاف المتوسط. قارتان… ودولتان عربيّتان. آلاف الأميال تفصل بينهما. والرسالة واضحة وضوح الشمس: لا أحد في مأمن، إسرائيل تخرق أجواءنا… كل أرض وكل ماء، وكل سماء مستباحة. إن أرادت إسرائيل ذلك، صار القانون الدولي رماداً، والقانون الوحيد هو القوّة الغاشمة.
رئيس الكنيست أمير أوحانا صرّح بوضوح بعد ضربة الدوحة: هذه رسالة الى كل الشرق الأوسط. وهو نشرها بالعربية ليتأكد أنّ الإهانة وصلت مباشرة.
ومنذ مدة توسّطت الدوحة لتسوية الخلاف بين الكونغو ورواندا برعاية أميركية. وقامت بعمليات سلام عدّة.
لقد حاولت واشنطن إنهاء الحرب في غزة بكل جهدها، لكن ما حدث أن الإبادة في غزة تصاعدت، والمجاعة تفاقمت والتطهير العرقي في تسارع. وفي الأثناء يحرق المستوطنون القرى في الضفة، ويقتحم جيش الاحتلال: جنين ونابلس والجليل، ويعلن الكنيست بغطرسة ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة. ضربوا قادة حماس في الدوحة الذين استدعتهم قطر للتفاوض بناء لدعوة واشنطن لهم بحجة إيقاف الحرب على القطاع. قطر نفّذت رغبة واشنطن ومع ذلك تمّ قصفهم.
إنّ عقيدة الحصانة هذه ليست ارتجالاً، إنها تنفيذ لمخطط “خطة نيون” لعام 1982 التي دعت الى تفتيت الدول العربية الى كانتونات طائفية:
– العراق الى كيانات سنّية وشيعية وكردية.
– سوريا الى مناطق علوية ودروز وسنّة.
– إضعاف مصر حتى يُعاد إحتلال سيناء.
– وترحيل الفلسطينيين خارج أرض فلسطين الى شرق الأردن.
هكذا يتحقق نبوءة إسرائيل في مؤلف كتاب «العودة الى مكة» لـ آفي ليبيكن الذي تنبّأ بأنّ حدود إسرائيل ستمتد من لبنان الى السعودية التي سمّاها الصحراء الكبرى، ومن المتوسط الى الفرات.
وفي مقابلة يقول الكاتب: «ومن على الجانب الآخر من الفرات، سيكون الأكراد… والأكراد أصدقاء «لإسرائيل». إذن لدينا المتوسط خلفنا والأكراد أمامنا، ولبنان الذي يحتاج حقاً الى مظلة حماية إسرائيل. ثم سنأخذ مكّة والمدينة وجبل سيناء ونطهر تلك الأماكن».
لقد كان الهدف واضحاً تماماً: إذابة القوة العربية الى شظايا، حتى يتسنّى لإسرائيل السيطرة الكاملة على المنطقة. فسوريا -اليوم- محطمة، والعراق ممزّق، واليمن منهار، وغزة محاصرة ولبنان يتخبّط.
إنّ شعار إسرائيل «من النيل الى الفرات» لم يعد مجرّد شعار في الكتب، لقد أصبح واقعاً يعمل الإسرائيليون على تنفيذه ويؤيّده السياسيون.
كتاب صهاينة، يتخيّلون علناً حدوداً تمتد الى مكة والمدينة. وكتب مثل «العودة الى مكة» ترسم خرائط توراتية للغزو. والأنظمة العربية هي من تتحمّل المسؤولية الأكبر، عقوداً بعد عقود، من «كامب ديڤيد» الى «أوسلو» و «وادي عربة»… في كل مرّة ظنّ العرب أنّ الاسترضاء يجلب الأمن، وفي كلّ مرّة تضع إسرائيل كل المواثيق جانباً، كل ما نقوم به إدانة بالكلمات، من خلال خطب وصراخ، لم تعد أذنا نتنياهو تسمع صداه.
aounikaaki@elshark.com