كتبت ريتا شمعون
طوابير لا تنتهي لشراء الذهب تجتاح العالم وذلك بعد توقعات بارتفاع سعر المعدن الأصفر الى 5,000 دولار أميركي للأونصة، فما الذي يحدث؟
إنتشرت فيديوهات من دول عديدة مثل سنغافورة وفيتنام وأستراليا وغيرها، تظهر أناسا يصطفون لشراء الذهب رغم ان سعره تجاوز 4,300 دولار للأونصة ، ولكن ” بنك أوف أميركا” رغم توقعاته لأسعار المعادن الثمينة بحلول عام 2026 ، متوقعا أن يصل سعر الذهب الى 5,000 دولار للأونصة فهل يتحقق هذا التوقع فعلاً؟
وكان قد أربك الذهب العالم مجدداً، فبعد أن بلغ الإثنين الماضي رقما قياسيا 4,300 دولاراً للأونصة، بزيادة 60% منذ يداية العام ، مدفوعا بالتوترات الجيو-سياسية والاقتصادية ورهانات خفض الفائدة ومشتريات البنوك المركزية، تعرّض لموجة بيعية في الأيام القليلة الماضية دفعته للهبوط ظهر يوم الثلاثاء الماضي أيضا بنحو 5,3 أو 231 دولاراً، في أكبر هبوط يومي منذ عام 2020 ، ولا يزال يواصل التراجع مع انحسار موجة الصعود.
في هذا الوقت، تأثرت معنويات السوق ، بالتوتر التجاري في العالم ولبنان، ماذا يقول نقيب معلمي صناعة الذهب والمجوهرات قي لبنان بوغوص كورديان؟
يرى كورديان، في حديث خاص لجريدة “الشرق” أنه من الطبيعي أن يرتفع وينخفض سعر المعدن الأصفر مع مرور الوقت بسبب العوامل الاقتصادية العالمية، مثل التضخم وتغير أسعار الفائدة، وتطورات التجارة العالمية، وتغيرات العرض والطلب، مشيرا الى ان الهبوط الحالي لا يعدّ إنهياراً بل تصحيحا طبيعيا ومتوقعا بعد الصعود الذي شهده الذهب هذه الفترة.
ويقول، إن التهافت على الذهب عالميا ليس جديدا، بل هو ظاهرة تاريخية مرتبطة بالبحث عن استقرار في ظل أزمات متزايدة، على مدار السنوات الماضية، وليس جديدا على اللبنانيين، فحركة الشراء سجلت ارتفاعات متتالية من قبل اللبنانيين وقد بدت لافتة هذه الفترة من قبل بعض المتمولين في لبنان بالتزامن مع ذبذبة السوق، وقد ترجمت أرقام استيراد الذهب الإقبال الكثيف على شراء أونصات الذهب معتبرا ان ارتفاع الطلب على الذهب ما هو إلا بحث عن الملاذ الآمن.
وأضاف كورديان، أنه لا شكّ أن تصنيفات الاقتصادات العالمية تغيرت، خلال السنوات العشرة الأخيرة، وقد ساهم في ذلك، عوامل متعددة منها النمو الاقتصادي المتفاوت بين الدول، الأزمات المالية، التحولات السياسية والتطورات التكنولوجية المتسارعة، فالعالم اليوم يشهد تضخما متزايدا وغلاء في الأسعار نتيجة لعدة عوامل مثل صدمات العرض والطلب العالمية، وتأثير الحروب على اسعار الطاقة والغذاء، وكأن هذا العالم يتجه لأزمة اقتصادية وحرب كونية ثالثة لافتا الى أن ارتفاع الاسعار يقلل من القوة الشرائية للأفراد، مما يعني أن الدخل المتاح لا يكفي لشراء نفس كمية السلع اوالخدمات ، ورغم ذلك، يتسارع العديد من الافراد نحو الاشياء التي يرونها مفيدة لهم مثل شراء الذهب، متوقعا ان يستمر التحول في هيكل الاقتصادات العالمية خلال السنوات القادمة، ومحذرا من المخاطر المتزايدة بسبب التحديات الهيكلية في الاقتصاد العالمي، مثل تباطوء النمو العالمي الذي وصل الى 2.3% في العام 2025 وهو أدنى مستوى منذ عام 2008.
وتزيد أهمية المعدن الأصفر من خلال زيادة الطلب عليه من قبل الحكومات والأفراد والبنوك المركزية حول العالم لزيادة احتياطاتها منه مما يعزز من قيمته ودوره كأصل استراتيجي، في ظل الأزمات التي تشهدها الأسواق العالمية، مضيفا: الدول التي تمتلك أكبر احتياطات من الذهب، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، تتمتع بقوة اقتصادية وسياسية كبيرة، فالذهب أثبت دوره كمعدن ذي استخدامات صناعية وتكنولوجية وطبية مهمة، وله دور محوري في النظام النقدي العالمي، أما دوره كمخزن للقيمة فيظهر في قدرته على الحفاظ على قوته الشرائية مقارنة بالعملات الورقية.
وأكد كورديان، بعد ارتفاع سعر المعدن الأصفر” الذهب” يقبل الناس على شراء الفضة لكونها بديلاً ميسور التكلفة، بالاضافة الى أنها لا تزال تقدر في صناعة المجوهرات وتتميز ببريقها وقابليتها لتشكيل تصاميم متنوعة، كما تشكل فرصة اسنتثمارية جذابة لمن يبحث عن بديل أقل تكلفة، مشيرا الى ان الفضة كانت تعتبر أقل تقلبا في الأسواق أما اليوم قد ارتفعت بشكل ملحوظ بسبب مزيج من العوامل، مثل زيادة الطلب الصناعي لا سيما من قطاع السيارات الكهربائية، متوقعا مساراً صعودياً ما دام الطلب ينمو بشكل أسرع من العرض.
وردا على سؤال، يقول كورديان، نعم، إن عدداً كبيرا من محال الذهب في لبنان قرّر التوقف عن العمل مؤقتا، بعدما بات من المستحيل التسعير بدقة، أو حتى إتمام عمليات البيع والشراء، نتيجة فقدان القدرة على التنبؤ بسعر الأونصة في اللحظة نفسها، وبسبب الاقبال الكبير وغير عادي، قد تستغرق مدة شراء سبيكة ذهب أو الأونصة في هذه الايام، شهراً الى شهر ونصف ،لكن هذا ليس هو الوضع المعتاد، فشراء سبيكة ذهب عادة لا يستغرق وقتا طويلاً.
في هذا السياق، يؤكد كورديان، أن إقبال المواطنين على شراء الذهب هو طبيعي، ففي الأزمات يتحول المعدن الأصفر الى الملاذ الأكثر أماناً، على سبيل المثال، يصطفون يوميا مئات الأشخاص أمام مؤسسة ” عبود- بوغوص ” في برج حمود يريدون شراء كميات كبيرة من الذهب مازحاً: قد يكون شراء العقارات في هذه الأيام أسهل من شراء الذهب، ذلك، أنه من الممكن أن يتأخر استلام طلبيات الذهب 60 يوماً، حيث تختلف مدة تسليم الطلبات بناءً على عدة عوامل مثل نوع الطلب ( سبائك،مجوهرات،أونصات )، أو إذا كانت الكميات كبيرة بفضل التواصل مع البائع او الجهة المصدرة.
ويكشف، هناك شحّ في اونصات الذهب والفضة في الأسواق، فلبنان يستورد أونصات الذهب بشكل كبير من الخارج، كما ان هناك تهافت هائل على شراء الأونصات السويسرية الذي أدّى الى فقدانها جزئيا ورفع أسعارها يفوق السعر العالمي بشكل ملحوظ، حيث تتميز بنقائها العالي ( عيار 24 قيراط) وبسهولة تداولها عالميا مما يجعلها خياراً استثماريا آمناً وموثقاً.
أما شراء الذهب في المرحلة الراهنة ، فصعب على الأغلبية لافتقار الناس غلى السيولة، لا سيما المنتمين الى الطبقة الوسطى الذين باعوا ما يملكون من ذهب ومجوهرات في حوزتهم لتسييلها الى دولارات مع اشتداد الأزمة المصرفية والاقتصادية في لبنان، اليوم يضيف كورديان، راتب 1,200 دولار يساوي حاليا 8 غرامات من الذهب فقط.
هذا الواقع كان كقيلاً بطبيعة الحال برفع الطلب على الذهب في السوق اللبنانية أخيراً، إلا ان هذا لا ينعكس بالضرورة على قوة مبيعات القطاع المحلي، فاونصة الذهب ليست منتجا محلياً فهي تمثل مقياسا عالميا لقيمة الذهب بغض النظر عن بلد المنشأ،لذلك لا يمكن القول أن حركة السوق اليوم جيدة لأنها تقتصر على اونصات الذهب العالمية ” المستوردة” التي تعتبر أحد الأصول الاستثمارية الشائعة فيها.
وعلى المدى البعيد، يتوقع كورديان، من المتوقع أن يشهد سعر الذهب تقلبات خلال الأشهر المقبلة، قائلاً: لا سقف متوقع لأسعار الذهب، وهذه نصيحتي، بعدم تأجيل شراء الذهب، إنه أضمن من العملات النقدية ” الكاش” في المنازل، اشتروا الذهب واحتفظوا به فهو استثمار طويل الأجل ووسيلة فعالة لحماية المال، وإن لم تكن مضطرا للبيع، فلا تبيع