لاريجاني في بيروت: هجمةٌ مُرتدّة على القمة الأميركية – الروسية

بقلم ابراهيم ريحان

«أساس ميديا»

ماذا وراء زيارة علي لاريجاني لبغداد وبيروت؟ وما علاقة ذلكَ باحتمال استئناف المُفاوضات بين إيران والولايات المُتّحدة قريباً؟ وما علاقة لقاء دونالد ترامب وفلاديمير بوتين؟

تُلملمُ إيران أوراقها التّفاوضيّة. ترفعُ السّقفَ في الإقليم. وفي المُقابل تُرسلُ إشارات عن نيّتها العودة إلى طاولة المفاوضات النّوويّة مع الولايات المُتّحدة. تستبقُ محطّات السّياسة من ألاسكا التي تترقّبُ لقاء ترامب وبوتين، إلى بيروت التي تستقبلُ السّفير توم بارّاك بعدَ أيّام.

عودة المفاوضات؟

يُؤكّد أكثر من مصدرٍ إقليميٍّ لـ”أساس” أنّ تبادل الرّسائل عبر الوسطاءِ العرب والأوروبيّين بين وزير خارجيّة إيران عبّاس عراقجي والمبعوث الأميركيّ إلى الشّرق الأوسط ستيفن ويتكوف قد عادَ بعدما توقّف التّواصل عقب وقفِ إطلاق النّار بين إيران وإسرائيل.

الهدفُ من هذا التّواصل هو محاولة استئنافِ المُفاوضات بين إيران والولايات المُتّحدة، إمّا في العاصمة العُمانيّة مسقط أو العاصمة النرويجيّة أوسلو. وقد أبدى عراقجي في إحدى رسائله التي وصلَت إلى ويتكوف أنّ بلاده جاهزة لإعلان خفضِ أنشطتها النّوويّة بشكلٍ فوريّ في حال وافقت الولايات المُتّحدة على رفعِ جزءٍ وازنٍ من العقوبات المفروضة على إيران.

أبرزُ مشهدٍ على محاولة طهران استجماع أوراقها هي زيارة الأمين العامّ لمجلس الأمن القوميّ الإيرانيّ علي لاريجاني للعراق ولبنان. حطّ رحاله في العاصمتَيْن في ما يُشبهُ هجمةً مُرتدّةً إيرانيّة بعدَ قرار بغداد وبيروت حصرَ السّلاحِ بيدِ الدّولة.

لاريجاني.. موافق على ورقة وقف إطلاق النار

يزورُ لاريجاني بغداد وبيروت بصفتهِ أميناً عامّاً لمجلس الأمن القوميّ في إيران، الذي يرسمُ السّياسة الخارجيّة للبلاد ويرفعها إلى المُرشد علي خامنئي لإقرارها والمُصادقة عليها. كانَ تعيينُ لاريجاني على رأس مجلس الأمن القوميّ إشارةً إيرانيّة واضحة تتعلّق بالمُفاوضات. فهوَ عُيّنَ خلفاً لعليّ أكبر أحمديان المحسوب على تيّار الحرس الثّوريّ المُتشدّد بما يخصّ المفاوضات.

بينما يُعتبرُ لاريجاني مُقرّباً من التيّار الإصلاحيّ المُؤيّد للتفاوض ليسَ فقط مع الولايات المُتّحدة بل ومع الدّول الغربيّة. وهو كانَ كبيرَ المفاوضين بين عامَيْ 2005 و2007، أثناء تولّي المُتشدّد محمود أحمدي نجاد الرّئاسة في بلاد فارس.

يعني اختيارُ لاريجاني انفتاحاً إيرانيّاً على التّفاوض، لكن لا يعني بالضّرورة استعداد إيران لتقديم تنازلات كُبرى أو استراتيجيّة. واحدةً من التجارب الأخيرة التي خاضها الرّجل أظهرَت جانباً واسعاً من “البراغماتيّة” في القرارات السّياسيّة. إذ تُؤكّد معلومات “أساس” أنّ لاريجاني كانَ قد اطّلع على ورقة وقفِ إطلاق النّارِ بين لبنان وإسرائيل أثناء زيارته في تشرين الثّاني الماضي وأبلغَ قيادةَ “الحزب” موافقةَ بلاده عليها. كانَ يومها يشغلُ منصبَ كبير مستشاري المرشد علي خامنئي، قبل أن يُضافَ إليه منصب الأمانة العامّة للأمن القوميّ.

ما علاقة لقاء ترامب وبوتين؟

ينبغي التّوقّف عند توقيت زيارة لاريجاني لبغداد وبيروت والظّروف المُرافقة لها:

  • إقرار الحكومة اللبنانيّة أهداف ورقة المبعوث الأميركيّ توماس بارّاك وتكليف الجيش اللبنانيّ إعداد خطّة لحصر السّلاح في يد الدّولة، بما في ذلكَ سلاح “الحزب”.
  • تأتي الزّيارة قبل أيّامٍ قليلة من عودة بارّاك إلى بيروت لبحثِ آليّات تنفيذ الورقة والاطّلاع على خطّة الجيش، التي باتت شبه جاهزة.
  • تتزامن الزّيارة مع عودة التّواصل بين واشنطن وطهران لبحث إمكان استئناف التّفاوض النّوويّ.
  • الاشتباكات التي وقعَت في منطقة الكرخ في بغداد، والتي أدّت إلى إقالة قائدَيْ لواءَيْن من ألوية ميليشيا “الحشد الشّعبيّ”، وهذان اللواءان يتبعان مباشرة لـ”كتائب حزب الله العراقيّ”، وما تبعها من بيانٍ عالي النّبرة ضدّ “الكتائب” تلاه المُتحدّث باسم الجيش العراقيّ، وتصريح رئيس الوزراء محمّد شيّاع السّوداني بحصر السّلاح بيد الدّولة العراقيّة، وفتوى المرجع الأعلى في العراق السّيّد علي السّيستاني حولَ حصرِ السّلاح.
  • رفع السّقف الإيرانيّ بشأن قرارَيْ بغداد وبيروت حول السّلاح من قِبَلِ مستشار المُرشد علي أكبر ولايتي وعبّاس عراقجي وعضو مجلس السياسات الاستراتيجية بوزارة الخارجية الإيرانية علي باقري كني.
  • رفعَت إيران منسوب التّوتّر السّياسيّ بشأن قضيّة ممرّ “زنغزور”، وهو ما يعني أنّها تُريدُ الرّدّ في المشرقِ العربيّ على محاولات عزلها عن خطوط التّجارة في منطقة القوقاز.
  • عودة المفاوضات بين إيران والوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة بعدَ تعليق التّعاون مع الوكالة إثر الحرب مع إسرائيل.
  • الأهمّ أنّها تأتي قبل أيّام قليلة من لقاء الرّئيسَيْن الأميركيّ دونالد ترامب والرّوسيّ فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا الأميركيّة (الرّوسيّة سابقاً).

تعتمدُ إيران على دعمِ روسيا لمبدأ “حقّ إيران في تخصيب اليورانيوم”. وأبلغَت الكرملين استعدادها للقبول والالتزام بتخصيب اليورانيوم فوق مستوى 3.67% خارجَ الأراضي الإيرانيّة في حال اعترفَت واشنطن بحقّ إيران في ذلك.

الأكيد أنّ ملفّ إيران ومعها الشّرق الأوسط سيكون حاضراً على طاولة ترامب – بوتين. ولهذا استجمَعت إيران أوراقَها من القوقاز إلى سواحل المُتوسّط تمهيداً لما سيتمخّضُ من لقاء الرّئيسَيْن الأميركيّ والرّوسيّ.

تعتبرُ أنّها سلّفَت روسيا المواقفَ والدّعم العسكريّ في حربها مع أوكرانيا، وأنّه آنَ الأوان لتقطفَ ثمارَ هذه “الورطة” التي أدخلَت إيران في مواجهةٍ مباشرة مع الدّول الغربيّة بعد انهمار مُسيّرات “شاهد” وبعض صواريخها البالستيّة على أوكرانيا “الأوروبيّة”.

هكذا يُمكنُ القول إنّ إيران قامت بهجمةٍ سياسيّة مرتدّة، في انتظار مسارَيْن:

  • الأوّل: مسارُ ترامب وبوتين.
  • الثّاني: مسارُها الذّاتيّ مع واشنطن في حالِ استطاعَ الرّئيس الرّوسيّ فتحَ ثغرة في جدارِ التّفاوض النّوويّ الذي يُريدُ الكرملين أن تكونَ له حصّة الأسد فيه من دون أن تكونَ إيران مُستقلّة نوويّاً.

ابراهيم ريحان